2014/04/03

أردوغان يقاتل حتى آخر "إخواني"

د. ليلى نقولا الرحباني

انتهت الانتخابات المحلية التركية بفوز - متوقَّع - وجيد نسبياً لحزب "العدالة والتنمية"، سيؤدي إلى زيادة الغرور الأردوغاني، الذي سيعتبره تفويضاً للاستمرار في سياسته الداخلية الإقصائية، والخارجية التدخلية في الشؤون الداخلية للدول المجاورة، وستشهد تركيا مزيداً من عدم الاستقرار الداخلي، كما قد تشهد المناطق السورية المحاذية لتركيا حماوة إضافية تحكمها الرغبة الأردوغانية بإعادة إحياء المشروع "الإخواني الإمبراطوري".

اعتقد البعض أن تركيا - أردوغان يمكن لها أن تغيّر سياستها تجاه سورية، وأن يصبح القلق من الإرهاب المتمركز على الحدود التركية، بالإضافة إلى النصائح الإيرانية، حافزاً لتغيير جوهري في السياسة التركية الخارجية، بالانسحاب من القتال في سورية، أو على الأقل التخلي عن المسلحين وإقفال الحدود التركية بوجههم، لكن تبيّن أن هذا الأمر تعيقه عوامل عدّة، أهمها أن حزب "العدالة والتنمية" يقاتل اليوم نيابة عن مشروع "إخواني" شرق أوسطي متعثر، ونيابة عن "الإخوان المسلمين" في كل أنحاء العالم، وأردوغان حين يقاتل اليوم إنما يقاتل لأهداف عدّة، أهمها:

- محاولة تعويم مشروع "إخواني امبراطوري حلم به أردوغان، وطمح له "الإخوان"، لكنه سرعان ما سقط في مناطق عدّة، وها هو ينازع للبقاء على قيد الحياة أو - بطموح أكبر - لاستعادة ما كان. يدرك أردوغان أن فرصة ذهبية ستضيع نهائياً فيما لو لم يستطع "الإخوان" النهوض من جديد، هذه الفرصة التي انتظروها منذ سقوط الدولة العثمانية، وتراءى لهم أنهم على قاب قوسين أو أدنى من حلم الخلافة مجدداً، وإذا بها تضيع خلال سنة واحدة في خضم الفوضى التي عمّت العالم العربي.

- لثأر شخصي مع الرئيس بشار الأسد، الذي عرقل طموحات "الإخوان" الأممية، وأظهرهم أمام الغرب عاجزين عن إسقاط دمشق، التي كانت الباب والمعبر الضروري لفتح أبواب السلطنة العثمانية الجديدة، التي تمتد - بحسب داود أوغلو - من ليبيا إلى جورجيا وسراييفو، مروراً بدمشق وامتداداً حتى اليمن.

- عدم وجود خيار آخر سوى القتال حتى الرمق الأخير، فسقوط أردوغان ومعه حزب "العدالة والتنمية" يعني أنه سيتمّ سحق أي خلية أو تجمّع أو حركة "إخوانية" في جميع أنحاء العالم العربي، في ظل غياب الدعم، والعجز الخارجي عن التدخل.

- يقاتل أردوغان للتصدي لمشروع تقوده السعودية للقضاء على أي نفوذ لـ"الإخوان المسلمين" في العالم العربي، ولن تتوانى فيه عن استخدام نفوذها الخارجي لشيطنتهم في كل أنحاء العالم، وهو ما يوحي به الإعلان البريطاني عن أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أمر بإجراء تحقيق عاجل حول جماعة "الإخوان المسلمين" ونشاطها في بريطانيا على خلفية المخاوف من قيامها بأنشطة متطرفة، وأن السفير البريطاني السابق لدى المملكة العربية السعودية السير جون جنكينز سيقود التحقيق الحكومي البريطاني حول فلسفة جماعة "الإخوان" وأنشطتها، ومدى تأثيرها على المصالح الوطنية البريطانية، إضافة إلى مراجعة سياسة الحكومة البريطانية تجاه هذه الجماعة، وتقدير مدى تأثيرها على الأمن القومي لبريطانيا والسياسة الخارجية، بما في ذلك العلاقات المهمة التي تربطها بدول الشرق الأوسط.

أما على الصعيد الأميركي، فقد تكون زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى السعودية في هذا الوقت بالذات، وبعد ظهور الخلاف العلني بين "الإخوان المسلمين" والمملكة، هو إعادة اعتبار، بمفعول رجعي، للتحالف التاريخي مع المملكة العربية السعودية، خصوصاً أن أوباما كان قد استهل زياراته إلى المنطقة بعد انتخابه في ولايته الأولى، بزيارة إلى تركيا والقاهرة، في تفضيل واضح للجهة التي تدعمها الإدارة الأميركية، كما وافق الأميركيون على الإطاحة بحلفاء السعودية كحسني مبارك وبن علي، وإجراء ترتيبات - تبين أنه مُعدّ لها مع الأميركيين - لإحلال "الإخوان" في السلطة في الدول التي شهدت انتفاضات داخلية.

- يقاتل أردوغان لمنع الأكراد في سورية من تحقيق كيان ذاتي مستقل يصل الأكراد السوريين والعراقيين بالأكراد في تركيا، وهو ما قد يعزز الانفصالية لديهم، ويضيف قوة إلى الدعم الذي يتمتع به عبدالله أوجلان في كل من سورية وتركيا، وقد بيّنت الانتخابات البلدية الأخيرة بوضوح أن نفوذ هذا الأخير يتخطى نفوذ صديق أردوغان مسعود البرزاني.

لكل هذه الأسباب وغيرها يقاتل أردوغان وحزب "العدالة والتنمية" في الداخل والخارج، وسيقاتلون حتى الرمق الأخير لعودة سلطتهم، وقد تكون نتائج الانتخابات قد نفعت خصوم تركيا وجيرانها، فمن الأفضل لهم أن لا يتحقق الاستقرار وأن يستمر الصراع الداخلي التركي، فالتاريخ يشير إلى أنه كلما ازداد الأتراك قوة واستقراراً، انعكس ذلك سلباً على الشعوب المحيطة بهم ترهيباً وتنكيلاً ومحاولات تتريك وإبادة أقليات، وازداد في المقابل إصرار تلك الشعوب والأقليات على مواجهتهم بكل الوسائل المتاحة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق