2014/07/03

مبادرة "الجنرال".. والبازار الإقليمي

د. ليلى نقولا الرحباني
تستمر الحملة السياسية على طرح العماد ميشال عون انتخاب رئيس من الشعب مباشرة، والذي طرحه لمحاولة كسر حال الجمود والمراوحة السياسية التي دخلها البلد منذ ما قبل 25 أيار ولغاية الآن.

فعلياً، يدرك العماد ميشال عون تعقيدات الوضع الإقليمي، وهو أكثر العارفين بأن التوافق اللبناني يحتاج إلى أكثر من إرادة داخلية للتوافق والحوار والرغبة بالوصول إلى حل، بل إنه بحاجة إلى تفاهم إقليمي - دولي  يؤدي إلى تسوية، ويبدو أن هذا الأمر لم ينضج بعد، فقد تشعّبت القضايا الإقليمية وتعقدت، خصوصاً بعد قضية "داعش" في العراق، واحتلالها محافظات في العراق وربطها بمحافظات سورية، وإعلان "دولة الخلافة الإسلامية" ومبايعة أبو بكر البغدادي أميراً عليها، في ظل مراوحة إقليمية وتباينات دولية في التعاطي مع الموضوع.

من هذا المنطلق تبدو قضية الرئاسة اللبنانية مؤجلة، فلطالما شكّلت الرئاسة في لبنان موضوعاً دولياً وإقليمياً أكثر منه داخلي، وهكذا كان يُنتظر أن تنفرج الأمور اللبنانية الداخلية مع انفراج العلاقات الإيرانية - السعودية، لكن الأمور تعقدت نتيجة ما يلي:

- انتصارات ميدانية سجّلها الجيش السوري تضاف إلى انتخابات رئاسية أصرّت الحكومة السورية على إجرائها، وانتصار الرئيس بشار الأسد فيها بنسبة جيدة جداً، ومشاركة شعبية جيدة أيضاً، علماً أن كثافة التوجُّه إلى صناديق الاقتراع، خصوصاً في لبنان والأردن، أحرجت الحلف المعادي للنظام السوري، وأظهرت نوعاً من الخسارة الإضافية له.

- تسريب تقارير تشير إلى قبول الأميركيين بنتائج الانتخابات الرئاسية السورية، بالإضافة إلى تقارير صحفية نقلت عن فيلتمان عرضه بأن يتمّ تأمين مخرج للأميركيين للقبول بالأسد مقابل التعاون في مكافحة الإرهاب.

- انتصار كاسح للمالكي في الانتخابات في العراق، علماً أن بعض القيادات السعودية كانت قد أعلنت أن العراق مصيره التقسيم في حال انتصر تحالف المالكي في الانتخابات، وهذا ما أظهر الهجمة "الداعشية" المدعومة من بقايا حزب "البعث" العراقي، ومؤيدي الرئيس السابق صدام حسين، وكأنها ردّ على نتائج الانتخابات.

- إشارات هامّة عن إيجابيات كبيرة تطغى على المفاوضات بين الإيرانيين والدول الست، والأميركيين خاصة، بخصوص التوصل إلى اتفاق حول الملف النووي الإيراني بحلول نهاية تموز الجاري.

- اتجاه إيران لفرض نفسها لاعباً إقليمياً هاماً، له تفضيلاته في الصراع السُّني - السني الدائر في المنطقة، والحركة الإقليمية الإيرانية التي تشير إلى محاولة إيرانية لتعويم الدور التركي "الإخواني" على حساب السعودي "الوهابي" في المنطقة، ما شكّل حساسية لدى الطرف السعودي.

لكل هذه الأسباب وغيرها، تراجعت إمكانية التفاهم السعودي - الإيراني في المنطقة، وتراجعت معه إمكانية التوصل إلى اتفاق داخلي لبناني يُترجم في ملف الرئاسة، علماً أن ما بعد احتلال "داعش" لأقسام من العراق ليس كما قبله؛ فقبل الاحتلال "الداعشي" للمحافظات العراقية كانت إيران تبدو منتصرة في معظم الملفات التي تعالجها في منطقة الشرق الأوسط، والمنتصر لا يستسهل تقديم التنازلات أو إعطاء المكاسب المجانية للخصوم، في المقابل بدا أن المملكة العربية السعودية مُحرَجة في عدة ملفات إقليمية، باستثناء مصر ولبنان، وبما أنها بدت - ولو نظرياً - محرَجة، فلا يمكن لها أن تقدّم تنازلات من أجل التسوية ما يظهرها وكأنها مهزومة.. لذلك، كان من الصعب الوصول إلى تسوية بين الإيرانيين والسعوديين في ظل ظهور أحدهم بمظهر المنتصر والآخر بمظهر المحرج أو المأزوم.

وهكذا، خلطت "داعش" الأوراق الإقليمية من جديد، لكن المشكلة التي ظهرت، والتي دفعت المنطقة إلى أخطر مرحلة في تاريخها، هو أن من يعتقد أن بإمكانه الاستفادة من "داعش" لإحراج الإيرانيين، يجد نفسه محرجاً بين خيارين أحلاهما مُرّ: دعم "داعش" ضد الإيرانيين، مع ما يستتبع ذلك من تضخيم لدور "داعش"، ما يهدد وجوده ومستقبل دول المنطقة السُّنية بالدرجة الأولى، أو الدخول مع الإيرانيين في حلف ضد "داعش"، مع ما يعنيه هذا من تضخيم النفوذ الإيراني في المنطقة.

وهكذا، يجد اللبنانيون أنفسهم مرة أخرى ورقة تستخدم في بازار الشدّ والجذب الإقليمي، فإن كان الحريق سيلتهم المنطقة فهو لن يوفر لبنان، وإن كانت التسويات قادمة، فاللبنانيون سيتأثرون بها دون قدرة لهم على التغيير في نتائجها، من هنا تأتي أهمية المبادرة التي أطلقها العماد ميشال عون، أما السياسيون اللبنانيون فما زالوا يمارسون الكيدية السياسية، وعنزة ولو طارت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق