2014/08/03

ماذا بعد مرحلة إفناء الذات العربية؟


د. ليلى نقولا الرحباني
يعيش العالم العربي في هذه الفترة أسوأ مراحل تاريخه الحديث على الاطلاق، إذ يتفشى الإرهاب في كل أرجائه، والاقتتال في كل بلد من بلدانه، وتكثر الفتاوى القاتلة وأصحابها كالطفيليات، ويطفو الى السطح ممارسات "جاهلية" كان العرب قد تناسوا وجودها بعد مجيء النبي محمد وتبشيره بالدين الاسلامي ونهيه عن جميع الممارسات الحاطة بالكرامة الانسانية التي كانت تنتشر في شبه الجزيرة العربية قبل ظهور الدين الجديد.
وقد تكون "الغزوة" التي حصلت في العراق قد كشفت جميع الوجوه والأقنعة، وعرّت كل الأقاويل التي انتشرت والتي تحدث عن "ثورة" عراقية أفرزتها ممارسات فساد سابقة، أو تحدثت عن ظلم تاريخي في سوريا سبب كل هذا الاقتتال، يضاف إليها تعامل الدول العربية مع ما يحصل في غزة، من محاولة "إبادة" تقوم بها اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني المحاصر منذ سنوات.
ولا شكّ أن ما قامت به حماس خلال سنوات ثلاث من الانتفاضات في العالم العربي، ودخولها في محور إخواني، لفرض زعامة تركية على العالم العربي بتمويل قطري، قد أثر كثيرًا على التعامل العربي الرسمي والشعبي مع ما يحصل في غزة، خاصة بعدما كانت حماس قد استأثرت بحكم غزة على مدى سنوات، أي منذ الانتخابات التي أوصلتها الى السلطة في غزة عام 2006، فأظهرت للرأي العام أن المقاومة هي حماس، وحماس هي المقاومة، مع العلم أن هناك فصائل عديدة تقاوم في غزة، ولها الفضل في صمود أهل غزة لغاية اليوم.
وبالرغم من كل ما جرى في السابق، إلا أن النخب العربية التي من مهمتها أن تقوم بتشكيل رأي عام عربي يدعم قضاياه المحقة، ويؤسس لبناء مجتمعات ما بعد الحريق العربي الذي يحصل اليوم، بات من المفترض أن تعمل على ترسيخ المبادئ الثابتة التالية:
- حق الدفاع المشروع عن النفس، وهذا لا ينطبق فقط على أهل غزة، بل ينسحب على السوريين الذين يتعرضون لحرب كونية، وعلى العراقيين الذين يتعرضون لأخطر مؤامرة تستهدف تاريخهم وتنوعهم ووحدة العراق، وعلى اللبنانيين الذين يتهددهم الخطر الاسرائيلي في الجنوب والخطر التكفيري من الشرق والشمال. من هنا فإن كل الدعوات الى الحوار مع القتلة والارهابيين، أو التغاضي عن وجودهم أو التسليم لهم، تعتبر بمثابة خيانة عظمى وانكار لأبسط حقوق الانسان الأساسية وحقه البديهي في الدفاع عن نفسه.
- حق المقاومة المشروع، وهو حق كفلته المواثيق الدولية والشرائع السماوية، إذ لا نجد دينًا من الأديان لا يكفل حق مقاومة الظلم والعدوان، بل إن الثورات التاريخية التي حصلت أتت لتكرّس هذا المفهوم، ومنها الثورة الفرنسية واعلان الدستور الأميركي الذي منح المواطن الأميركي حق المقاومة ولو بالسلاح.
- ضرورة امتلاك القوة اللازمة لردع أي محاولة عدوان، إذ تنوجد الدول العربية في بيئة قلقة غير مستقرة، فبالاضافة الى اسرائيل التي تشكّل تهديدًا وجوديًا دائمًا للدول العربية المحيطة بها، نجد أن الخلافات العربية - العربية لطالما كانت بسبب محاولة الدول العربية الكبرى السيطرة على جيرانها الأصغر، وفرض هيمنتها عليها... من هنا، بات واجبًا على كل دولة وشعب عربي، وانطلاقًا من الواقعية التي تفيد أن امتلاك القوة يحقق السلام النسبي ويمنع العدوان، أن يمتلك قوة وازنة تسمح له بفرض توازن قوى، أو تمنع الآخر من التفكير بالاعتداء عليه، بسبب الكلفة الموجعة لهذا الاعتداء.
- مناصرة المظلوم على الظالم، وهي من القيم التي بات العرب يفتقدونها، خاصة بعد الصراع المذهبي الذي تفشّى بقوة، فبات العرب يهللون للظالم طالما ينتمي الى طائفتهم أو مذهبهم، ويتباكون فقط على المظلوم، إن كان منتميًا لنفس عشيرتهم أو دينهم... وهكذا، افتقد معظم العرب القيم الانسانية البديهية التي تدعو الى مناصرة الحق على الباطل، الظالم ضد المظلوم، البريء ضد القاتل، وهو ما ظهر جليًا في حالتي الموصل وغزة.
في المحصّلة، لا بد من التأكيد بإن أمة لا يتشبث إنسانها بهذه الأسس الانسانية البديهية، ويختلف على مقومات انسانية طبيعية، ولا يقرأ الفرد فيها أكثر من ست دقائق في السنة الكاملة، هي أمة مصيرها الفناء في عصر باتت المعرفة فيه سلاح، وبات السلاح هو أساس البقاء، وبات الظلم أكبر من أن يقبله العقل... فهلا حان وقت الاستيقاظ، خاصة وأن العرب دخلوا فعليًا مرحلة إفناء الذات؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق