2014/08/21

من يحرك داعش؟

د. ليلى نقولا الرحباني
يخطئ من يعتقد أن تنظيم داعش الذي برز فجأة بعد انهيار مشروع الاخوان المسلمين في المنطقة هو مجموعة من المقاتلين القادمين من التاريخ السحيق والذين يهجمون الى القتال بسيوف وأحصنة، وكل ما يريدونه هو قطع الرؤوس وممارسة الاجرام والقتل.
فعليًا، إن من يراقب ما تقوم به داعش خلال غزواتها، يلاحظ ما يلي:
أولاً: القدرة على الاستقطاب، إذ لا يمكن لبضع آلاف أو عشرات الآلاف من المقاتلين، السيطرة على مساحة هائلة توازي تقريبًا مئة ألف كيلومتر في كل من العراق وسوريا، والاستمرار في المحافظة عليها وحمايتها والتوسع نحو مناطق أخرى، بدون أن يكون هناك تأييد واضح وأكيد من العشائر والمجموعات السكانية التي تعيش في تلك المناطق، وخاصة في منطقة البادية.
ثانيًا: القدرة على استخدام الدين، ودغدغة عواطف الكثير من المسلمين الذي يعتقدون أن حلم الخلافة الاسلامية التي سقطت والقدرة على استعادتها والحكم بالشريعة، بات حلم قاب قوسين أو أدنى من التحقق.
ثالثًأ: اللعب على التناقضات السياسية واستغلال البعد المذهبي، فالحديث المضخّم عن مظلومية من لون مذهبي معين وهم السنّة بالتحديد، سمحت لتنظيم داعش باختراق صفوف الجيش العراقي، وكسبت دعم العديد من بعثيو صدام وغيرهم، الذين اعتقدوا ان التنظيم الارهابي سيرفع عنهم الظلم والغبن والتهميش الذي عانوه بعد الاحتلال الأميركي للعراق. وقد حاول التنظيم وغيره من التنظيمات استخدام هذا الأمر في لبنان، لشق صفوف الجيش اللبناني، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل الذريع، وهو ما ظهر في معركة عرسال الاخيرة التي حاول خلالها نواب طرابلس ان يواكبوا الارهابيين بالحديث المذهبي إلا أنهم خابوا فاضطروا لتغيير خطابهم.
رابعًا: القدرة على استخدام التاريخ واستعارته بما يخدم أهدافه، فالمنطقة التي تسيطر عليها داعش اليوم، والتي تمتد من الرقة في سوريا الى الموصل في العراق ومحاولة توسعه الى حلب، تعيد الى الاذهان، المساحة التي سيطر عليها نور الدين زنكي قبل 900 سنة، وهي المنطقة المعروفة تاريخيًا باسم بادية الشام. واللافت أن خطبة أبو بكر البغدادي التي اعلن فيها الخلافة كانت في مكان له مركزيته في هذا التاريخ بالذات وهو جامع الموصل الكبير الذى بناه نور الدين زنكي مؤسس الدولة الزنكية.
خامسًا: استخدام الحرب النفسية بدقة واحترافية، فما تقوم به داعش من نشر صور قطع الرؤوس والتنكيل بالجثث والتعذيب وأخبار سبي النساء، وقتل الأطفل، ليست بدون هدف أو لإبراز وجهها البشع فحسب، بل لهدف واضح وذكي جدًا وهو إحداث الصدمة والترويع لدى الاعداء فيفرّون من مناطقهم حالما يسمعون أن التنظيم قادم لاحتلالها، وبهذا تسيطر داعش على مناطق شاسعة بدون قتال. هذا الأمر، استخدمته العصابات الصهيونية وأهمها الأرجون، حين استولت على فلسطين، فكانت تقوم بمجزرة في قرية ما وتقوم بتضخيمها، ما يجعل أهالي القوى المجاورة يفرّون من وجه تلك العصابات بمجرد تقدمها نحوهم. إن تطور وسائل الاتصال الحديث والانترنت، تساعد كثيرًا في تحقيق هذا الهدف، خاصة وأن أعداء داعش أنفسهم يساهمون بهذه الحرب النفسية.
خامسًا: المقدرة على استخدام الدعاية السياسية، وإلا كيف يستطيع هذا التنظيم استغلال الشباب الاوروبي وتجنيده، لو لم يكن متقنًا لأساليب الدعاية، وملمًا بتفاصيل عيش المسلم الاوروبي وحياته وتطلعاته وما الذي يحفزّه للخروج من بلده الى القتال مع الارهابيين. ويبدو من خلال الخطبة التي ألقاها أبو بكر البغدادي، ومن شكله وهندامه، بالاضافة الى الوسائل البصرية والتقنيات المستخدمة في الشريط، أنها تتجاوز بكثير قدرة وثقافة تنظيم ارهابي مفترض أنه قادم من العصور الوسطى، وخارج من البادية أو الصحراء العربية.
من خلال كل ما تقدم، لا يبدو أن تنظيم داعش هو مجموعة من الارهابيين القتلة فحسب، بل الأكيد أن وراءه قيادة استخبارية محترفة تتقن التعامل مع التقنيات والدعاية السياسية والحرب النفسية وتتقن دراسة المؤثرات الصوتية، ودراسة نفسيات وهواجس المسلمين والثقافة السياسية للشعوب المسلمة في أرجاء العالم...  فمن هي هذه الاستخبارات التي تتقن كل ذلك؟ انها استخبارات دول متطورة بالتأكيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق