2014/08/14

المسيحيون بين خيارين: المقاومة أو الإبادة

د. ليلى نقولا الرحباني
من المنتظر أن ينعكس تكليف رئيس الوزراء العراقي الجديد حيدر جواد العبادي ارتياحًا عراقيًا ودوليًا، فمنذ دخول الأميركيين الى العراق عام 2003 ولغاية اليوم، لم نشهد اتفاقًا عراقيًا وإقليميًا ودوليًا، كالذي شهدناه من أجل إقصاء نوري المالكي عن رائاسة الحكومة في بغداد. وفي خضمّ هذا الارتياح، والدعوة الى تشكيل حكومة وحدة وطنية، ما زال المسيحيون العراقيون وباقي الأقليات يعانون من إرهاب "الدولة الاسلامية في العراق والشام"، الذين يقومون بإبادة المكونات العراقية كافة بدون استثناء، ويعمدون الى استكمال الخطة الغربية -  الصهيونية الجهنمية المشتركة بالقضاء على كل التاريخ المسيحي في المشرق العربي.
فعليًا، لقد تعرّض المسيحيين العراقيين لمؤامرة كونية على وجودهم، امتدت على مرحلتين:
- الاولى منذ عام 2003 ولغاية عام 2014، وفيها تهجير بطيء واستنزاف للوجود المسيحي في العراق، من خلال وسائل عدّة، أهمها الارهاب والقتل وتفجير الكنائس، تلاها اغراءات العيش في الغرب بما فيها من أمن واستقرار لم ينعم بها العراقيون بعد الاحتلال الأميركي، كل ذلك وسط صمت عراقي وعربي ودولي مشبوه.
المؤسف في مرحلة تهجير العراقيين المسيحيين الاولى، أن العالم أجمع تآمر على المسيحيين في ذلك البلد، فالحكومات الغربية فتحت أبواب قنصلياتها وسفاراتها لمنحهم الهجرة، وبعض المرجعيات المسيحية المشرقية وخاصة اللبنانية منها، ساهمت بجعل لبنان مقر مؤقت يستجلبون المسيحيين العراقيين اليه، تمهيدًا لهجرتهم الدائمة الى الغرب، في تواطئ صريح وواضح و"مقبوض الثمن" لتهجير المسيحيين من المشرق.
ويشير العديد من التقارير، أن المؤامرة على الوجود المسيحي في العراق كانت مشتركة، فمنهم من يشير الى أن الأكراد طمعوا بهجرة الاستثمارات المسيحية الى أراضيهم، والغرب اعتبرهم "مجرد أضرار جانبية" في الحرب على الأرهاب، والشيعة والسنّة المتشددون مارسوا عليهم أرهابهم، بسبب اعتبارات عراقية محض، فالشيعة اتهموا المسيحيين بأنهم كانوا من الأقليات المحظوظة في عهد صدام حسين، أما السنّة الراديكاليين فاعتبروا أن المسيحيين "جزء من الحملة الغربية والأميركية" على العراق بسبب وحدة الدين.
- المرحلة الثانية: بعد غزوة داعش العراقية 2014
في هذه المرحلة، لم يعد قتل المسيحيين يحصل بصمت، بل بات قتلاً مدويًا تُسمع أصداءه في أرجاء المعمورة بسبب الابادة التي تعرّض لها المسيحيون العراقيون، والتنكيل بهم، وسبي نسائهم واحتلال أرزاقهم من قبل التنظيم الارهابي المتوحش.
بالتأكيد، استمر التواطؤ على مسيحيي العراق في هذه الفترة، ففرنسا عرضت استقبالهم بدل الدفاع عنهم وعن وجودهم، وقوات البشمركة الكردية وقفت تتفرج على ذبحهم، والسنّة العراقيون كانوا مشغولين بالتهليل "للثورة" التي ستطيح بـ"مخلفات الاحتلال الأميركي" كما ادّعوا، ولم يكن أمام الشيعة العراقيين إلا فتح بيوتهم، في ظل خوف مشروع على مصير مشابه لمصير المسيحيين، لكن بقيت الإدانات من المسلمين تحت السقف المطلوب والمفترض. أما الأميركيون، فلم يكترثوا لمصير مئات آلاف المسيحيين ولم يحركوا ساكنًا، بل كل ما تبين من التحرك الأميركي الأخير بقصف مواقع داعش، أن واشنطن تهتم فقط لإمدادات النفط التي تسيطر عليها في اقليم كردستان، وكل ما عدا ذلك من مصير شعوب بأكملها في العراق لا قيمة له في ميزان الاستراتيجية الأميركية.
وفي خضم كل هذا المشهد الدموي، تأتي المسؤولية المسيحية المباشرة، فالتهجير الأول الذي حصل بصمت  واستنزاف على مدى عقد من الزمن، كان من المفترض أن يدقّ جرس الإنذار بالنسبة للمسيحيين العراقيين، الذين تعرّضوا للارهاب والاجتثاث بدون أن يرف جفن لأحد سواء في العراق أو العالم العربي أو الغربي. لذا، كان من المفترض بالمسيحيين العراقيين أن يهبّوا للدفاع عن أنفسهم، وعن عائلاتهم ووجودهم، بدل أن يلجأوا الى الهرب واللطم والنحيب وانتظار المساعدة من عالم لطالما صمّ آذانه عن سماع صراخهم، وتخلى عنهم في السابق، وكان من الأجدى لو شكّل هؤلاء وحدات للدفاع الشعبي عن مدنهم وقراهم، كما فعل مسيحيو سوريا، وهو ما منع عنهم مصير مشابه لمصير مسيحيي العراق من اجتثاث وإبادة وغزوات لم تكن لتوفرهم في ظل إجرام متفلت وإرهاب غير مسبوق.
في المحصلة، إن ما حصل للمسيحيين العراقيين، يجب أن يدفع مسيحيي المشرق الى وقفة جرأة استثنائية، تتطلب منهم الدفاع عن مصيرهم ووجودهم وأرضهم والعيش فيها بكرامة، وإن فُرض عليهم الموت،  فليموتوا واقفين يدافعون عن كرامتهم ووجودهم بدل أن يموتوا منحوري الرقاب أذلاء. ويبقى الموت واحد، وعليهم أن يختاروا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق