2019/02/21

بن سلمان في باكستان: عينٌ على أفغانستان أم إيران؟

تأتي جولة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الآسيوية في وقت عصيب بالنسبة لباكستان، في ظل ما تعانيه من نفاد في الاحتياطيات الأجنبية، ومن عجز متزايد في الموازنة، ومن صراع لتأمين مستقبلها المالي بالاضافة الى تهديدات إيرانية وهندية مستجدة بالتدخل في باكستان، إثر هجومين ارهابيين انطلقا من الأراضي الباكستانية، استهدف أحدهما مجموعة من الحرس الثوري في إيران، أما الثاني فأودى بحياة العشرات من العسكريين الهنود في الشطر الواقع تحت سيطرة الهند من إقليم كشمير.
تشكّل زيارة بن سلمان لباكستان على أبواب الإنسحاب الأميركي من أفغانستان، مؤشرًا هامًا لرغبة سعودية لملء الفراغ الاستراتيجي الذي سيتركه الأميركيون في المنطقة. تدرك السعودية جيدًا أن رعاية قطر للحوار الذي تقيمه الولايات المتحدة مع حركة طالبان، ووجود فضاء طبيعي لكل من إيران وتركيا في آسيا الوسطى، سيجعل من إمكانية السعودية حفظ موقع لها في المنطقة أصعب من قبل، لذا تسارع الى رعاية باكستان إقتصاديًا وماليًا، لحجز موطئ قدم تمهيدًا لإنسحاب الأميركيين من المنطقة.
وبالرغم من الطابع الاقتصادي الذي غلب على الزيارة، وحاجة باكستان الماسّة الى المساعدات السعودية الاقتصادية والمالية، وإعلان ولي العهد أن المملكة وقعت اتفاقيات بـ20 مليار دولار مع باكستان، ووعده بأنه سيكون "سفير باكستان في السعودية"، إلا أن أهداف بن سلمان تندرج ضمن أطر استراتيجية، أبعد من الاستثمارات الاقتصادية، ويتمحور حول دور سعودي محوري في منطقة تعجّ بالتحولات، وتشكّل إيران فيه بعدًا حيويًا لا يمكن إغفاله، علمًا إن قيام ولي العهد السعودي بزيارة الهند بعد باكستان يقطع أي إمكانية للتفكير بانحيازه لباكستان، ولا يحرف الأنظار عن وجهة الصراع الأساسية: إيران.
يراهن الأمير محمد بن سلمان، على استثمار نفوذه ومساعداته لباكستان لإحتواء إيران أمنيًا وإقتصاديًا؛ من الناحية الأمنية كان الأمير قد هدد سابقًا بنقل المعركة الى الداخل الإيراني، لذا هو يحتاج لمناطق لا تتمتع باستقرار أمني كبير وتستطيع أن تشكّل بيئة حاضنة للمجموعات التي ستتغلغل في الداخل الايراني، وتبدو المناطق الحدودية بين باكستان وإيران مثالية لهذا الأمر.
أما من الناحية الاقتصادية، فإن مساهمة السعودية في بناء مصفاة نفطية بقيمة عشرة مليار دولار في ميناء جوادر الباكستاني، المطل على المحيط الهندي، حيث تقوم الصين ببناء ميناء في المياه العميقة، في إطار مبادرتها "الحزام والطريق"، يهدف الى قطع الطريق على إمكانية تصدير النفط الايراني الى كل من باكستان والهند ثم الصين، عبر "أنبوب السلام" الذي كانت إيران قد اتفقت على إنشائه مع باكستان ولم ينفذ لغاية الآن...وهكذا، ستشكل هذه المصفاة بديلاً محتملاً لإمداد النفط السعودي إلى الصين وباكستان وغيرهما من الدول.
ولعل الهدف الأهم استراتيجيًا بالنسبة لولي العهد، الذي يعاني من عزلة دولية بعد مقتل خاشقجي، ما يشكّله التزام باكستان التاريخي بالحفاظ على أمن المملكة واستقرارها، والممتد منذ العام 1984 حين وقّعت المملكة العربية السعودية اتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع باكستان إبان حكم الجنرال ضياء الحق، والتي تضمنت تقديم باكستان كل قدراتها من أجل حماية المملكة في حال تعرضها لأي خطر.
وعليه، يهدف الأمير محمد بن سلمان من خلال مساعداته الإقتصادية لباكستان، الى تبديد هاجس القلق الأمني في الداخل السعودي، خاصة في ظل المطالبات الغربية بتنحيه، وبتحميله مسؤولية قتل خاشقجي. ففي ظل احتمال تحريض بعض أفراد العائلة المالكة على ولي العهد، ومطالبته بالتنحي، يستطيع بن سلمان أن يستند الى دعم الجيش الباكستاني لتأمين حماية أمنية لحكمه في حال أدّى الصراع على الحكم داخل المملكة، الى تهديد استقرار حكم آل سعود، وتهديد استقرار المملكة كما حذّر ترامب يومًا في حديثه مع ماكرون.
في المحصلة، تحتاج باكستان بشكل حاسم للمال السعودي، لكن من الصعب تحقيق أهداف بن سلمان بجعل باكستان منصة لإحتواء إيران ونقل المعركة الى الداخل الإيراني، إذ قد يشكّل ذلك إحراجًا داخليًا للحكم الباكستاني، ولا يمكن تصوّر أن تقطع باكستان علاقاتها مع إيران إرضاءً للحليف السعودي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق