2020/08/24

لبنان على خط الزلازل حتى نضوج التسوية؟

 

لم يكن ينقص لبنان إلا الصراع التركي الفرنسي الجديد لتكتمل معه صورة الدولة التي تعيش على خط صراعات دولية متعددة، يكفي واحد منها لهزّ كيان أي دولة أخرى، وهي:

 

- الصراع التاريخي العربي "الاسرائيلي"؛ والذي يعيش لبنان في خضّمه، وليس فقط من المتأثرين به، وذلك بسبب الأطماع الاسرائيلية المستمرة في أرض ومياه لبنان، وبسبب استمرار احتلالها لأراضٍ لبنانية لغاية  اليوم، قضية اللاجئين الفلسطينيين الذين ترفض "اسرائيل" عودتهم، وقد أتى في صفقة القرن بند صريح، يمنع عودة فلسطينيي الشتات في كل من لبنان وسوريا بالعودة الى فلسطين.

 

- الصراع الأميركي الايراني؛ والذي شكّل للبنان الكثير من المصاعب السياسية والاقتصادية، ليس آخرها الضغوط القصوى التي مارستها إدارة ترامب على لبنان، خاصة في الشأن الاقتصادي والتي أدّت - من جملة أسباب أخرى- الى انهيار اقتصادي ومالي لم يعرف لبنان له مثيلاً منذ ما بعد انتهاء الحرب في التسعينات من القرن الماضي.

 

- التنافس الأميركي مع  كل من الصين وروسيا؛ وبالرغم من أن كلاً من الروس والصينيين ما زالوا - لغاية اليوم- يحاذرون الدخول الصريح الى كل لبنان والعراق لأنهما في دائرة النفوذ الأميركي المباشر وبالتالي يحاذر الطرفان تخطي الخطوط الحمراء الأميركية في هذا الشأن، إلا أن أي تراجع أميركي (وهو غير متوقع في المدى المنظور) سيغري الطرفين لمحاولة الدخول الى لبنان.

 

- الصراع العربي العربي، والذي كان من ضمن الأسباب التي عمّقت وأججت الحرب الأهلية في السابق، خاصة في ظل إمدادات السلاح والمال التي استمرت تتدفق من الدول العربية للأحزاب المتقاتلة من ضمن كسب النفوذ وقتال الخصم العربي بواسطة اللبنانيين أنفسهم.

 

وقد تكون التطورات التي حلّت بالعالم العربي منذ مجيء الأميركيين لاحتلال العراق وبعدها قيام ثورات ما سمي "الربيع العربي" قد جعل الدول العربية المعروفة تقليديًا بتدخلها في لبنان تنشغل بمشاكلها الداخلية، لكن الانقسام الخليجي الخليجي الحالي، ساهم في تعميق الانقسام اللبناني على خط زلزال الانقسام الخليجي نفسه.

 

- الصراع السني الشيعي؛ وهو في الحقيقة صراع جيوبوليتيك يأخذ عناوين دينية مذهبية. وبالرغم من أن جذور هذا الصراع تبدو ضاربة في التاريخ القديم، إلا أن هذا الصراع تمّ إحياؤه بعد دخول الأميركيين الى العراق عام 2003، والحديث عن هلال شيعي يتم تشكيله من إيران الى لبنان عبر العراق وسوريا.

 

إن المطّلع على تقارير مؤتمر هرتسيليا الذي ينعقد في ""اسرائيل" كل سنة، يدرك الأهمية التي يعطيها الاسرائيليون لتغذية هذا الصراع، والتأكيد على أن تنمية هذا الصراع وتغذيته تعدّ من الأمور الحيوية التي تساهم في تحقيق أمن "اسرائيل".

 

- الصراع السنّي السنّي؛ والذي له جذور تاريخية تعود - بشكل أساسي- الى بدايات القرن العشرين وسقوط الخلافة العثمانية، لكن اشتعاله من جديد أتى نتيجة "الربيع العربي" الذي أجج صراعًا على زعامة العالم السنّي، وإحياء حلم تركيا القديم بعودة الخلافة العثمانية على حساب الدول المتحالفة مع المملكة العربية السعودية.

 

- الصراع الفرنسي - التركي؛ وفي ظل أزمة مالية خانقة، وبعد انفجار مرفأ بيروت الكارثي، دخل لبنان ساحة من ضمن التنافس الفرنسي التركي والذي توسّع بشكل كبير بعد انهيار الدولة الليبية ومحاولة تقسيمها تلبية لمطامع العديد من دول حلف الناتو التي شاركت بقصف ليبيا ودعم المقاتلين لإسقاط القذافي.

 

كما في ليبيا، وفي العديد من الساحات التي تعرف تاريخًا من الاستعمار التركي والفرنسي، دخل لبنان على خط الصراع التنافسي الفرنسي التركي بعد انفجار المرفأ ومجيء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى بيروت، وقيام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإرسالى كل من نائبه ووزير خارجيته الى بيروت لإعلان الدعم والمساندة.

 

وعليه، ونتيجة لكل هذه الصراعات المتأججة وغيرها، سيكون من الصعب على لبنان وشعبه المنقسم على نفسه أفقيًا وعاموديًا، أن ينقذ نفسه بنفسه من كل تلك الصراعات التي تأخذ مساحات أوسع على أرضه كلما توسع الصراع السياسي الداخلي، وبالتالي لن يكون هناك انفراج داخلي حقيقي، إلا بتسوية اقليمية دولية - ولو "موضعية"- تحدد من يحصل على ماذا، وتحدد حدود النفوذ الاقليمي والدولي فيه.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق