2020/10/05

ترسيم الحدود واتهامات الاعتراف والتطبيع

 

لم يكد الرئيس برّي يعلن أنه تمّ التوصل الى اتفاق - إطار، يبدأ بموجبه المفاوضات غير المباشرة بين لبنان والعدو الاسرائيلي لترسيم الحدود في المنطقة الإقتصادية الخالصة، حتى اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي والوسائل الاعلامية، بأخبار وفبركات أعلامية وسياسية حول الموضوع، ونفندها كما يلي:

 

- "المفاوضات ستكون مباشرة"

 

الأكيد أن المفاوضات لن تكون مباشرة، وقد جرّب لبنان إطار المفاوضات غير المباشرة، في العديد من المراحل، منها خلال تفاهم نيسان عام 1996، وخلال الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000 الخ.. ويبدو أن الإطار الذي يُحكى عنه اليوم يبدو متطابقاً مع الآلية التي اتبعت في ذلك الوقت، أي أن لبنان يتكلم مع الأمم المتحدة التي بدورها تنقل الأمر الى "الاسرائيلي" وهكذا دواليك.

 

- "لبنان سيكون الدولة الثالثة في مسار التطبيع"

 

وهي العبارة الأكثر غرابة، لأن لا إطار سياسي للتفاوض بل موضوع تقني يتعلق بأمر محدد؛ وهو رسم الحدود في المنطقة الاقتصادية الخالصة ليصبح بإمكان لبنان استثمار ثروته النفطية في بحره.

 

علماً أن تطبيع العلاقات بين بلدين لديهما تاريخ من العداء والحروب، يحتاج الى أكثر من تفاوض غير مباشر، لا بل يحتاج الى أكثر من إتفاقية سلام، بدليل أن مصر وهي الدولة العربية الأولى التي وقّعت إتفاقية سلام مع "اسرائيل" في السبعينات، لم تستطع أن تجعل الأمر طبيعياً، ولم يؤدِ ذلك الى تطبيع فعلي وحقيقي بين الشعبين.

 

- الإعتراف باسرائيل:

 

إن موضوع الاعتراف في القانون الدولي، فهو أمر أكبر من مجرد "إقامة مفاوضات غير مباشرة" لحلّ مسألة الحدود. فالاعتراف عمل سياسي ينبع من الإرادة المطلقة للدولة المعترِفة، ويشير الى «عِـلم حكومة دولة أجنبية بوجود حالة واقعية من هذا النوع وتسليمها بوجودها، وقبولها بالنتائج القانونية المترتبة على وجودها عن طريق الاعتراف بها».

 

إذًا، العلم بوجود "اسرائيل" لا يعد اعترافاً قانونياً، وإنما يتم "الاعتراف" في حال ظهرت نيّة الحكومة اللبنانية في قبول النتائج القانونية التي يرتبها القانون الدولي على وجود هذه الحالة، والذي يمكن أن يتطور لتقيم معها علاقات دبلوماسية واقتصادية وسواها...

 

وعلى هذا الإساس، إن الحديث عن أن ترسيم الحدود لا يعدو كونه "علم لبنان بوجود حالة احتلال وأمر واقع في فلسطين"، وبالتالي التعامل بما يخدم مصلحة لبنان في ثروته وبحره، وهو ما حصل منذ التسعينات ولغاية اليوم، وهو ما حصل عام 2000، حين "اضطر" لبنان للتعامل مع الحالة الواقعية المستجدة (انسحاب اسرائيل) لتثبيت حقه في أرضه.

 

وفي هذا الإطار، وإذا كنا سنسلّم مع مقولة أن التفاوض غير المباشر هو "اعتراف وتطبيع"، فهذا يعني أن اتفاقية الهدنة عام 1949 كانت اعتراف، والمبادرة العربية التي أقرّتها قمة بيروت عام 2002 ووافق عليها لبنان، كانت اعتراف بوجود "اسرائيل"، وتفاهم نيسان عام 1996 هو اعتراف...

 

في النتيجة، نلاحظ أن أكثر المنتقدين لإتفاقية الإطار والذي يرمون السهام على المفاوضات قبل حصولها، هم طرفين:

 

 الأول، يريد استهداف الثنائي لأسباب سياسية داخلية، وهم الأكثر انتقادًا لمساهمة حزب الله في محاربة اسرائيل، ويدعون الى السلام انطلاقاً من فكرة  "بدنا نعيش".

 

الثاني، أصحاب المزايدات الذين يمتهنون "تعلية السقف"، بدون أن يقدموا حلول واقعية تأخذ بعين الاعتبار التوازن بين الواقع الموجود، والمبادئ، وما يمكن تحقيقه في ظل موازين القوى السائدة. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق