2020/10/26

عودة الحريري: كيف سقطت الموانع؟

أما وقد أصبح الحريري رئيساً مكلّفاً، وتشير الأجواء الاعلامية والسياسية أن مسألة التأليف تسير بطريقة إيجابية جداً، وهذا ما أظهره بيان رئاسة الجمهورية بعد لقاء رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، يمكن القول أن "الثورة" اللبنانية التي انطلقت في 17 تشرين الاول عام 2019، هي الخاسر الأكبر اليوم.

منذ سنة،  وعلى وقع ضغط الشارع (كما قال) استقال الحريري طارحاً العودة الى السلطة على رأس حكومة "مستقلين" يختارهم بنفسه، وبدون ان يكون للقوى السياسية الأخرى أي رأي في تسميتهم. وقد تسبب هذا الطرح بصدمة حينها، إذ كانت الحكومة ستبدو وكأنها مجلس إدارة شركة من شركات الحريري وليس حكومة لبنان المتنوع سياسياً وطائفياً.

وبالرغم من استقالته وتأكيد مشاركته في الانقلاب، استمر الثنائي الشيعي بتأييد عودته على رأس الحكومة، ومعهم العديد من القوى السياسية، بينما أعاقت قوى ثلاث عودته مجدداً الى السلطة:

- أولاً؛ الفيتو الخارجي والمتمثل بشكل أساسي بالفيتو الخليجي المدعوم أميركياً، حيث اعتبر السعوديون أن الحريري ساهم في تقوية نفوذ حزب الله في لبنان، وبالتالي في زيادة النفوذ الايراني.

- ثانياً؛ الوزير جبران باسيل والتيار الوطني الحر، الذي وجد في عودة الحريري منفرداً (كنتيجة للثورة) بدون شركائه في السلطة، تبييضاً لسجل الرجل، واتهاماً للآخرين بالفساد وتحميلهم المسؤولية الكاملة عما آلت اليه الأمور في البلاد.

- ثالثاً؛ الثورة اللبنانية بما تمثل، ومعها الكثير من اللبنانيين الذين وجدوا في خروج الحريري من الحكم، نافذة لاصلاح في هيكلية الدولة واجتثاث الفساد وتغيير جذري في طريقة الحكم، وانطلاقة لعهد الرئيس عون الذي تمّ تكبيله بالتسوية الرئاسية.

أما اليوم، فيبدو أن الأميركيين  - ومباشرة بعد موافقة لبنان على السير بمسار ترسيم الحدود- بدأوا بتخفيف سياسة الضغوط القصوى على لبنان (بدون أن تنتهي كلياً). كما يبدو أن السعوديين والإماراتيين وجدوا أن ترك الساحة السنية للفراغ، سوف يؤدي الى دخول الأتراك الى الساحة اللبنانية وتكريس نفوذهم في كل من طرابلس وعكار وصيدا الخ. وعليه، فإن العودة الى دعم الحريري قد يكون أقل كلفة.

بالنسبة للتيار الوطني الحر، الذي يريد أن "ينقذ" عهد الرئيس عون من محاولات الأغراق الذي يسعى اليه أركان الدولة العميقة في الداخل مدعومين من الخارج، لذا فهو سيسهّل ولادة الحكومة انطلاقاً من ثوابت أساسية مفادها:

- برنامج الحكومة الاصلاحي، وضرورة التأكيد على السير بمشروع التدقيق الجنائي ومكافحة الفساد والتأسيس لمؤسسات فاعلة تتسم بالشفافية وحكومة منتجة وفعالة.

- وحدة المعايير سواء في طروحات المداورة، أو في التعامل مع المكونات اللبنانية؛ فما يسري على الشيعة والسنّة والدروز يجب أن يسري على المسيحيين وبالتالي لن يتم القبول باعتبار المسيحيين أهل ذمة وأن يختار لهم الحريري وزراءهم.

- احترام الدستور وصلاحية رئيس الجمهورية في المساهمة في التشكيلة الحكومية، فالرئيس ليس مجرد ساعي بريد بين الكتل النيابية، إنما له الحق الكامل في رفض توقيع أي تشكيلة حكومية يعرضها عليه الرئيس المكلّف.

وتبقى "الثورة" اللبنانية، التي لم تستطع أن تنفّذ أياً من طروحاتها لا بل أن جردة حساب سياسية معها، تشي بأن ممارساتها وقطع الطرق والبلطجة التي مورست سمحت للبنوك بالسطو على ودائع اللبنانيين، وأدّت الى تعثّر الاقتصاد اللبناني وأتت بعدها كورونا لتضيف مأساة لبنانية فوق مأساة سابقة. قد يعمد الحريري الى توزير بعض رموز هذه الثورة، لكن قد يؤدي ذلك الى انقسام أكبر في صفوفها وتخوين من سيشارك في السلطة... بكل الأحوال، على المدى القصير والمتوسط، لقد دفنت مع فشل الثورة اي إمكانية لتحفيز اللبنانيين الى النزول الى الشارع مرة أخرى. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق