2020/11/16

فرنسا ومشروع تهجير مسيحيي المشرق

 

فجأة، وبعد مسار طبعته الإيجابية بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري في ملف تشكيل الحكومة، تراجع الحريري عما أتفق عليه مع الرئيس عون وبات يطالب بأن يسمي الوزراء المسيحيين بنفسه، وينصّب نفسه وصيّاً عليهم.

ولما لم يكن بإمكان الحريري إخضاع الآخرين لشروطه، تم استدعاء الموفد الفرنسي الى لبنان لمساعدة الحريري في الضغط على رئيس الجمهورية والوزير جبران باسيل، مهددًا لبنان بخسارة الدعم الاقتصادي، ومحاولاً التلاعب عبر طرح أسماء "فرنسية" لوزارة الداخلية والطاقة تبيّن أنها نفس الأسماء التي طرحها الحريري.

واللافت، أن الموفد الفرنسي حاول استثمار العقوبات الأميركية على الوزير جبران باسيل، فاتهمه بالعرقلة، وطالبه بالتراجع، بينما أكّد باسيل على أن كل ما يطالب به هو "وحدة المعايير" وأن ما يسري على الطوائف الأخرى يجب أن يسري على المسيحيين، وأن المسيحيين يجب أن يعاملوا على قدم المساواة مع الطوائف الأخرى، فكما يسمي الشيعة وزراءهم، وكما أعطي لجنبلاط أن يسمي الوزير الدرزي، والحريري يسمّي السنّة، يجب أن يُعطى المسيحيون الحق في تسمية وزرائهم انطلاقاً من مبدأ العدالة والمساواة.

والحقيقة، أن الموقف الفرنسي من مسيحيي لبنان ليس جديدًا، فالجميع يذكر زيارة البطريرك الراعي الى فرنسا في أيلول من عام2011، في ظل الإندفاعة الغربية للتغيير في سورية، وحينها نُقل عن ساركوزي دعوته الى هجرة مسيحية من لبنان وسوريا أسوة بالهجرة العراقية التي حصلت بعد احتلال العراق وسريان الفوضى الأمنية فيه. خلال اللقاء تحدث ساركوزي عن قدرة أوروبا على استيعاب مسيحيي لبنان وعددهم مليوناً وثلاثمئة الف - بحسب ساركوزي- ومسيحي سورية وعددهم مليون ونصف مليون سوري. وحجة ساركوزي في ذلك الوقت، أن الشرق سيكون مرتعاً للتطرف الاسلامي بعد الربيع العربي، وفي ظل صراع الحضارات المسيحي - الاسلامي، لا مكان للمسيحيين في المشرق العربي، والافضل أن يأتوا الى الإتحاد الاوروبي المؤلف من 27 دولة، وينخرطون في المجتمعات الاوروبية.

إذًا، هو موقف فرنسي قديم - جديد، حيث لا يعني مسيحيو لبنان شيئًا في ميزان المصالح الغربية في المنطقة. واليوم يبدو الفرنسيون مساهمين في الخطة الأميركية للبنان ولا ينفصلون عنها، تماماً كما كانوا عام 2011 جزءًا من خطة "هيلاري كلينتون" وباراك أوباما لتنصيب الإخوان المسلمين على العالم العربي فتسببوا بإقتتال سنّي - سنّي في المنطقة، وساهموا بإشعال الحرائق المتنقلة في الشرق وانتشار الفوضى والعسكرة وارتفاع منسوب الإرهاب، الأمر الذي ارتدّ سلباً على أمن القارة الأوروبية، وأدّى الى ارتفاع أسهم اليمين فيها.

وإذا كان هنالك من دروس يمكن أخذها من هزيمة الأرمن في كاراباخ الأسبوع الماضي، واتصال رئيس الوزراء الأرميني بالرئيس ماكرون مرات عدّة لمساعدته من دون جدوى، ودروس من الموقف الفرنسي في لبنان الذي يبدو جزءًا من الموقف الأميركي بإقصاء التيار الوطني الحر وحزب الله من الحكومة، فإن الدرس الأول والأخير للأقليات في المنطقة: لا تتكلوا على عامل خارجي، وإن القوة الذاتية وحدها والوحدة الوطنية الداخلية هي من يحمي الأوطان ويحمي الشعوب ويمنع انقراض التنوع الثقافي والحضاري في المشرق العربي.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق