2020/11/24

هل تشكّل حرب كاراباخ متغيراً استراتيجيا ضد إيران؟

  

منذ توقيع الاتفاق الثلاثي بين كل من أرمينيا وأذربيجان وروسيا، لم تنفك التحليلات والتقديرات الاستراتيجية تتحدث عن أهميته وتأثيره على البلدان المعنية، بالإضافة الى تأثيره على البلدان المجاورة وخاصة الدول الاقليمية المهيمنة في المنطقة ومنها إيران.

 

ونلاحظ أنه - وفي وقت متزامن تقريباً - تمّ نشر العديد من المقالات باللغات العربية والأجنبية، والتي تشير الى خسارة استراتيجية و"عزلة" سوف تعانيها إيران بعد الخسارة الأرمينية، وأن إزدياد النفوذين التركي والروسي بالإضافة الى التغلغل الاسرائيلي في المنطقة سيجعلان من النفوذ الايراني في جنوب القوقاز أكثر محدودية الخ...

 

الأكيد أن الأمن في منطقة جنوب القوقاز بعد حرب كاراباخ 2020، لن يكون كما قبله، ومن الطبيعي أن تقوم الدول المعنية في المنطقة بدراسة تأثير هذه المتغيرات الاستراتيجية على أمنها القومي، وفي الحالة الايرانية نجد ما يلي:

 

1- العلاقات التاريخية:

 

اعترفت إيران باستقلال جارتيها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وحاولت الوقوف على الحياد بينهما خلال معركة كاراباخ الأولى، لكن التطورات المتلاحقة والعدائية التي واجهها بها الرئيس الآذري أبو الفضل إلجي بيك، دفعت الايرانيين الى التقرّب من الأرمن بشكل أكبر.

 

شهدت العلاقات بين كل من إيران وأذربيجان تحسناً بعد الإطاحة بالرئيس الأذري الأول بعد الاستقلال، ومجيء حيدر علييف ثم إلهام علييف، لكن جوهر العلاقة بقي محفوفاً بالحذر بسبب ما يسميه الايرانيون سيطرة الأميركيين والاسرائيليين على أذربيجان، بعكس العلاقة مع أرمينيا التي بقيت في إطار الصداقة وحسن الجوار.

 

وخلال حرب كاراباخ 2020، أعلن الايرانيون بشكل صريح دعمهم لأذربيجان في استعادة سيادتها على أرضها، ولكنهم دعوا الى تحقيق ذلك عبر الوسائل الدبلوماسية. ووصف علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد علي خامنئي للشؤون الدولية، منطقة ناغورنو كاراباخ بأنها "أرض محتلة تابعة لأذربيجان"، وأكد إن بلاده ستساعد باكو على استعادتها عبر المفاوضات.

 

2- الحدود المشتركة:

 

تبلغ الحدود المشتركة بين إيران وأذربيجان ما يزيد على 700 كلم، سيطر الأرمن بعد حرب كاراباخ الأولى على جزء منها. وخلال عقود من الزمن، شكّلت هذه الحدود قلقاً أمنياً لإيران بسبب التواجد الاسرائيلي العسكري والاستخباري، لذا فإن عودة الجزء المسيطر عليه أرمنياً الى السيادة الآذرية، لن يشكّل متغيراً استراتيجياً كبيراً بالنسبة للإيرانيين.

 

3- نافذة على العالم الخارجي:

 

بما أن أرمينيا دولة مغلقة فمن السذاجة القول بأنها تشكّل "نافذة" إيران على العالم الخارجي، بل إن العكس صحيح. تشكّل إيران النافذة الأرحب لأرمينيا على العالم الخارجي، إذ يحيط بها عدوين تاريخيين (تركيا وأذربيجان) وتقيم مع جورجيا علاقات مقبولة نوعاً ما، مشوبة دائماً بالحذر المتبادل نتيجة اختلاف توجهات السياسة الخارجية، ووجود جالية أرمنية كبيرة في أحد الأقاليم الجورجية.

 

4- التحديات الأمنية:

يشكل التحدي الامني أكبر مشاكل ايران لناحية حدودها المشتركة مع اذربيجان، خاصة في حال قيام اذربيجان وتركيا بتشجيع الآذريين داخل ايران على الانفصال. ومن الطبيعي أن يقلق الايرانيون من قيام أنقرة باستقدام المقاتلين المرتزقة السوريين الى حدودها مع ما يشكّله وجودهم من خطر أمني ومحاولات تسلل على الحدود. ولقد تحدثت بعض القنوات العربية عن استقدام عائلات هؤلاء لإسكانهم في إقليم كاراباخ في القرى التي هجرها مواطنوها الأرمن.

فعلياً، لا يشكّل هذا الأمر قلقاً لايران فحسب، بل لروسيا ايضاً التي لطالما اعتبرت أن قدومها لقتال الاسلاميين والتكفيريين في سوريا هو خط دفاع أولي بدل أن تقاتلهم داخل حدودها في القوقاز، فهل سيسمح الروس بالتلاعب بالديمغرافيا في جنوب القوقاز، واستقدام مقاتلين ذو خبرة قتالية الى المنطقة بهذه البساطة؟.

 

5- ممر ناختشيفان - باكو:

قد يؤدي فتح ممر داخل الأراضي الأرمنية يصل الاقليم الآذري ناختشيفان بالأراضي الأم، الى خسارة اقتصادية إيرانية حيث شكّلت ايران سابقاً ممراً لعبور السكان والسلع والبضائع، كما سيؤدي الى تقليص اعتماد أذربيجان على إيران في هذا الأمر الحيوي، مما يقلص من هامش النفوذ الايراني في المنطقة.

وتبقى أنقرة أكبر المستفيدين من هذا الممر الذي سيسهّل لها زيادة نفوذها الى آسيا الوسطى والقوقاز، ويسمح لها بمدّ أنابيب تصل الغاز الآذري الى اوروبا عبر أراضيها بكلفة اقل من خط أنابيب باكو- تبليسي- جيهان. وكما كان متوقعاً، سارع الأتراك الى الاعلان عن مشروع سكك حديد الى ناختشيفان مباشرة بعد الاتفاق.

 

ومن المهم لفت النظر الى أن فتح هذا الممر، ووضع حرس حدود روس على الحدود بين البلدين لا يعني غياب السيادة الأرمنية عليه، بل يبقى ضمن السيادة الأرمنية ويبقى من حق الأرمن تحديد ما الذي يمكن مروره عبره وأن تتقاضى رسم مرور وانتقال. أما بالنسبة لأنابيب الغاز التي تريدها أنقرة، فيبقى الأمر مرتبط بالموافقة الروسية على الأمر.

 

إنطلاقاً مما سبق، يمكن القول أن الربح الاستراتيجي الذي حققته كل من روسيا وتركيا وأذربيجان في حرب كاراباخ 2020، وتبدل المعطيات الاقليمية لا يمكن أن تشكّل متغيراً استراتيجياً يمكن البناء عليه لفرض مزيد من العزلة الدولية على إيران في وقت يستعد فيه الايرانيون لإنسحاب أميركي من العراق وأفغانستان (أعلنت إدارة ترامب نيّتها القيام به) ثم لاستقبال إدارة أميركية جديدة ورئيس أميركي جديد اعلن مسبقاً رغبته في العودة الى الاتفاق النووي. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق