2020/11/08

هل يلتزم بايدن بتطبيق "المانيفستو" اليساري؟

 

 

خلافاً لكل توقعات الرأي التي توقعت فوزاً سهلاً لجو بايدن يقارب الاكتساح، فاز بايدن بانتخابات الرئاسة الأميركية بأرقام متقاربة مع الرئيس دونالد ترامب، وتبين أن ترامب استطاع أن يحتفظ بتأييد الجزب الجمهوري له، ووسّع قاعدته الناخبة عما كانت عليه عام 2016.

 

ومن خلال مراقبة موضوعية للانتخابات، يظهر أن الديمقراطيين تعلموا من دروس انتخابات 2016 التي خسرت فيها هيلاري كلينتون بشكل لم يكن يتصوره أحد. ولعل الدرس الأهم الذي تعلموه هو أن الطبقة الحاكمة الأميركية لا يمكن لها أن تربح انتخابات يكون فيها طرفي اليمين واليسار ضدها، وأن وصول بايدن الى البيت الأبيض يحتاج الى تقديم تنازلات أهمها؛ الاعتراف بالتنوع الذي باتت عليه تركيبة الحزب الديمقراطي، وأن جناح اليسار في الحزب والذي يمثله بارني ساندرز (يطلق عليهم اسم التقدميين في الولايات المتحدة)، بات يشكّل حالة يحسب لها حساب في قواعد الحزب الديمقراطي الناخبة، خاصة بين الشباب.

 

وهكذا، انطلاقاً من هذه القناعة، قام بايدن بالتفاوض مع ساندرز على برنامج عمل للإدارة الأميركية القادمة- أطلق عليه اعلام اليمين اسم "المانيفستو"- تضمن الكثير من الأفكار التقدمية، والتي يمكن اعتبارها "ثورة" في القوانين السياسية الأميركية في حال تطبيقه، وأبرز ما جاء في الاتفاق ما يلي:

 

1- مكافحة أزمة المناخ والعمل على تحقيق العدالة البيئية، ويتضمن الوعد بالعودة الى اتفاقية باريس المناخ، والتعهد بتأمين صناعات بديلة صديقة للبيئة وتوفير بدائل للمتضررين وتوفير فرص عمل منها. كما يتحدث عن العدل والإنصاف، تجاه مجتمعات الأميركيين من أصل أفريقي، والمجتمعات القبلية والمهاجرين والأسر ذات الدخل المنخفض والتي يجب أن تستفيد من اقتصاد الطاقة النظيفة لتحقق الازدهار الاقتصادي.

 

واللافت أنه تضمن عنوان "العمال والناس أهم من الربح"، وتعهد بخلق وظائف مع تأكيد حق الانتساب للنقابات، وأدرجت عبارة الاهتمام بالعمال "مهما كلف الأمر" وتمكينهم وتكريس حقهم في تنظيم نقابة والتفاوض من أجل أجور أعلى، ومزايا وظروف عمل أفضل.

 

2- العدالة الجنائية، وفيها تعهد بإصلاح البوليس والقضاء، وإزالة التمييز العرقي، وإصلاح السجون وإلغاء العمل الجبري والاستغلالي في السجن، الخ..

 

3- الاقتصاد: وفيه تعهد بعقد اجتماعي واقتصادي جديد للشعب الأميركي، حيث العمل والسكن والصحة هي حقوق وليست امتياز. يتعهد الاتفاق بالتخلص من التمييز العرقي، ودعم العائلات العاملة عبر سلسلة من الخدمات (الحضانة، العطل المدفوعة، برامج التغذية الخ..) ودعم العمال عبر تأمين ظروف عمل أفضل، تخفيض الضرائب، وتأمين الضمانات الكافية لتأسيس نقابات تدافع عن حقوق العمال، وتوسيع التقديمات الاجتماعية، ومعاقبة أرباب العمل الذين يجنون الأرباح من تسخير العمال وعدم تسجيلهم أو غير ذلك..

 

4- التعليم: لكل أميركي الحق في التعليم بدون تمييز. ويشير الاتفاق بالتفصيل الى اجراءات تربوية ومالية وضرائبية لمساعدة الاميركيين للوصول الى هذا الحق. والأهم، إقرار برامج إعفاء الطلاب الجامعيين من الديون التعليمية، بحسب الدخل. ولا يغفل أن يدرج بنداً خاصاً بحقوق العمال كما في جميع الأقسام الأخرى.

 

5- الصحة: ويتحدث عن ضرورة ايجاد نظام صحي لجميع الأميركيين، خاصة بعدما أبرزت جائحة كورونا ضرورة وجود هذا النظام، كما تحدث عن الغبن اللاحق بالعاملين في هذا القطاع الذين يعملون بأقل من 15 دولار في الساعة، وبدون تقديمات اجتماعية. ويشير الى ضرورة إزالة التمييز وتحقيق العدالة والاستثمار في تفعيل القطاع، لان الضمان الصحي حق وليس امتياز.

 

6- الهجرة: وفيه تعهد بتصحيح الاجراءات السابقة والأضرار التي سببها دونالد ترامب، وعصرنة نظام منح الجنسية، وإزالة العوائق التمييزية الخ...

 

إذًا، هو برنامج عمل تقدمي ثوري بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية التي تعمل قوانينها لخدمة مصالح الشركات الكبرى وأرباب العمل، وتبتعد عن السياسات الاجتماعية التي اتبعها الاوروبيون. فهل سيطبق بايدن فعلاً هذا البرنامج أم يبقى حبراً على ورق؟ لا شكّ أن الأمر مرتبط بحصول الديمقراطيين على الغالبية في مجلس الشيوخ، بالاضافة الى قوى ومجموعات الضغط التي يمكن أن تعرقل تطبيق بعض المشاريع التي تضر بمصالح النخب التقليدية.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق