2021/06/15

"قمة السبع" تتحدّى الصين: "طريق حرير" مُوازٍ

تخطّى الأميركيون والأوروبيون المشاكل التي طبعت ضفتي الأطلسي على مدى أعوام أربعة، بعد أن قام ترامب بممارسة تسلُّطه على الأوروبيين وتوبيخهم، واعتبرهم منافسين وأعداء، في أغرب تصريح لرئيس أميركي منذ الحرب العالمية الثانية.

 

ردَّد بايدن مراراً، في عدد من المناسبات سابقاً، وفي لقائه شركاءَه في "مجموعة السبع"، عبارة صريحة وواضحة "أميركا عادت"! وأصرّ، خلال لقائه الرئيسَ الفرنسيَّ، على أن يقوم ماكرون بتأكيدها بنفسه. و"عودة أميركا" تعني عودة الأميركيين إلى الهيمنة على العالم، ومحاولة إعادة عقارب الساعة إلى حقبة التسعينيات من القرن العشرين، بحيث انتقلت الولايات المتحدة من زعامة العالم الغربي إلى زعامة العالم، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.

 

ولعودة أميركا فعلاً إلى الزعامة العالمية، يحتاج بايدن إلى موافقة حلفائه في الاتحاد الأوروبي وحلف "الناتو" وشراكتهم ودعمهم، قبل أيّ شيء، وهو ما جعله يتوجَّه إلى أوروبا في أول زيارة خارجية له، للمشاركة في "قمة السبع"، ثم في قمة حلف "الناتو"، ويلتقي بعدهما الرئيسَ الروسي فلاديمير بوتين.

 

ولتطبيق الخطة الأميركية الطموحة من أجل العودة إلى زعامة العالم، تسعى الولايات المتحدة لتعزيز تحالفاتها وشراكاتها، والتركيز على التهديدات المشتركة، والتي من المفترض أن تدفع الولايات المتحدة وأوروبا إلى العمل معاً لمواجهتها. وكانت أماندا سلوات، مسؤولة أوروبا في البيت الأبيض، أكَّدت أن قمة الناتو ستركّز على التهديدات المشتركة التي تشكّلها كل من روسيا والصين، والأمن السيبراني، وتغير المناخ، وخفض القوات في أفغانستان.

 

الواضح أنه، قبل القمة، كان هناك كثيرٌ من الانقسامات والتباينات في الرؤى بين الطرفين بشأن التعامل مع التهديدات الاستراتيجية التي حدَّدها الأميركيون. بالنسبة إلى روسيا، تجلّى التباين في الموقف من أنبوب "نورد ستريم 2"، بحيث تراجع الأميركيون عن العقوبات التي تمّ فرضها سابقاً على الشركات العاملة فيه، بعد أن أكد الألمان إصرارهم على المُضيّ في المشروع مهما بلغت التكاليف. كما تتباين نظرتا الأوروبيين والأميركيين بالنسبة إلى الموقف من الصين، فالدول الأوروبية كانت تبدو حَذِرة من السير خلف الولايات المتحدة في منافسة غير محدودة مع الصين.

 

وفي ظلّ هذا الجو، استطاع جو بايدن أن يحقق إنجازاً يُحسَب له، سيدفع التنافس العالمي مع الصين إلى مستوىً غير مسبوق: إقرار خطة تنمية عالمية، موازية لطريق الحرير الجديد الصيني (خطة الطريق والحزام) ومنافِسة لها، أُطلق عليها اسم مبادرة "إعادة بناء عالم أفضل" Build Back Better World (B3W) Partnership

 

ماذا تتضمَّن المبادرة الغربية التنموية؟

يتحدَّث البيان الذي وزَّعه البيت الأبيض عن مبادرة إيجابية "جريئة" لتلبية حاجات البنية التحتية الهائلة للبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. وهي شراكة بنية تحتية شفافة وذات معايير عالية، وتقودها الديمقراطيات الكبرى، بالاشتراك مع القطاع الخاص للمساعدة على تأمين ما يزيد على 40 تريليون دولار من حاجات البنية التحتية في العالم النامي، والذي تفاقم بسبب جائحة كورونا.

 

وكما هو واضح، تركّز خطة التنمية هذه، المُنافِسة للخطة الصينية، على معايير قيمية (الشفافية، الحكم الرشيد، استفادة اجتماعية لمواطني الدول المستهدفة، مكافحة الفساد، دعم المرأة... إلخ)، في ردٍّ واضح على خطة الصين التنموية، والتي لا تتدخل في سلوك الدول وطريقة الحكم فيها، بل تعتمد، في صورة أساسية، على الاستفادة المتبادلة بين البلدين، مالياً واستثمارياً.

 

وهكذا، سيكون العالم النامي، في المرحلة المقبلة، أمام منافسة شرسة، قوامها مشروعان عالميان للتنمية، يتنافسان في مساحة جغرافية واحدة، وسيستعمل كل طرف جميع معايير القوة والإغراء والتهديد، لكسب العقود الاستثمارية.

 

وعليه، ستكون الدول النامية أمام مشهد يتراوح بين النعمة والنقمة:

 

- النعمة: أن تحصل الدول النامية على فرص حقيقية للتنمية، عبر تنافس المشاريع الدولية، من أجل التنمية والاستثمار، فتستطيع أن تحصل على عروض أفضل، وإمكان للاستثمار وتطوير البنى التحتية، من دون رهن أصولها السيادية. لكن، كم من الدول النامية تمتلك القوة الكافية للمقايضة والصمود أمام الإغراءات والتهديدات؟

 

 - النقمة: أن تتحوّل الدول النامية إلى ساحات صراع جديدة، قوامها التنافس الاستثماري بين جبابرة اقتصاديين، فيتمّ التدخل في شؤون تلك الدول، وتأليب الرأي العام الداخلي، وتجييش"المجتمع المدني" لإطاحة الحكّام الرافضين توقيع الشراكات. ولنا في عدد من الدول، التي تمت إطاحة حكّامها في البلقان وأوروبا الشرقية، عِبْرة. فحين عُرضت شراكات متنافِسة، اقتصادياً واستراتيجياً واستثمارياً، على تلك الدول (روسيا وأوروبا)، تحوّلت البلاد إلى مرتع لتدخلات خارجية، ومسرح لـ"ثورات ملوَّنة". ودخلت في حالة من عدم الاستقرار والاحتراب الداخلي.

 

هكذا إذاً، يبدو العالم أمام مشهد جديد من السباق نحو القمة العالمية، تشكّل التنمية والاستثمار أحدَ أوجهه. فهل ستجلب هذه المشاريع المتنافِسة، تنميةً ونهوضاً فعلياً لدول العالم الثالث، أم مزيداً من الحروب والفقر والتخلُّف؟ من الصعب تصديق حُسن نيّات الدول العظمى 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق