2021/06/20

مصير الاتفاق النووي بعد الانتخابات الايرانية


 نجحت ايران في تخطي الانتخابات الرئاسية التي كانت تقريباً معروفة النتائج، إذ توقّع الجميع أن يفوز السيد ابراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية بفارق كبير، بالاضافة الى أن نسبة المشاركة وهي الأدنى في تاريخ الجمهورية الاسلامية كانت متوقعة أيضًا، لأسباب عدّة منها عدم وجود مرشحين جديين يستطيعون التأثير على وصول رئيسي الى السلطة، واعتقاد الايرانيين أن أصواتهم لن تكون ذا تأثير على النتائج.

 

وفي ظل وصول محافظ الى السلطة في ايران، تطرح مسألة العودة الى الاتفاق النووي، والتفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية، وهنا يطرح على بساط البحث سيناريوهين:

 

السيناريو الأول: الوصول الى اتفاق بين إيران والولايات المتحدة قبل تسلم رئيسي السلطة رسمياً في شهر آب / اغسطس المقبل

 

في هذا السيناريو الأول والذي قد يرغب به الاميركيون وحكومة روحاني على حد سواء، يعني أن يقوم المفاوضون الايرانيون ومعهم الدول المشاركة في مفاوضات فيينا، بتسريع الاتفاق على رفع العقوبات الأميركية، مقابل عودة إيران الى الالتزام بكافة مندرجات الاتفاق النووي، والاتفاق على آلية لذلك.

 

ويهدف هذا السيناريو للتخلص من الاشكاليات المرتبطة بتغيير الوفد المفاوض، والمقاربة الايرانية "المحافظة" الجديدة التي ستكون أكثر تشددًا في قبول الشروط الأميركية، وذلك سيؤدي الى إطالة أمد المفاوضات والدخول في مراوحة من الأفضل تجنبها.

 

من جهة الولايات المتحدة الأميركية، قد يكون من الافضل للإدارة الجديدة أن تصل الى اتفاق خلال الاسابيع القادمة، قبل تسلّم رئيسي  السلطة والمجيء بوفد تفاوضي جديد، ما يعقّد مسألة التفاوض وكأنها سوف تبدأ من نقطة البداية مع ما يعني هذا من تأجيل وتفاوض بشروط مضادة جديدة هي بغنى عنها.

 

تحتاج الإدارة الأميركية الجديدة، الى أن تحقق اتفاقاً مع ايران وتقيم ترتيبات مفترضة في الشرق الاوسط لتتفرغ لبرنامجها لاحتواء الصين، وهذا يعني أن تعطّل على الصين امكانية المنافسة في منطقة حيوية جديدة، ولقد بات تحقيق الاستقرار النسبي في الشرق الاوسط أكثر إمكانية في ظل خروج نتنياهو من السلطة في اسرائيل.

 

السيناريو الثاني: عدم الوصول الى اتفاق، واستكمال التفاوض بعد تسلم رئيسي السلطة

 

هذا السيناريو يبقى مطروحاً، ولا يعني عدم القدرة على الوصول الى اتفاق بعد شهر آب/ أغسطس القادم موعد تسلم رئيسي السلطة قانونياً.

 

وبالرغم من أن السيد رئيسي وضع نصب عينيه حلّ المسألة الاقتصادية الداخلية، والوصول الى الاقتدار الداخلي والاكتفاء، فإن تحقيق هذا الهدف يرتبط الى حدٍ بعيد بإعادة إحياء الاتفاق النووي والتخلص من العقوبات المفروضة على ايران. كما إن نجاحه في الداخل وتحقيق الاستقرار والرفاه الاقتصادي سيعزز فرصه بأن يكون الوريث الفعلي للسيد علي خامنئي في منصب القائد الأعلى.

 

علماً أن السيد ابراهيم رئيسي أو اي رئيس آخر لم يعد يستطيع التراجع عن الاتفاق النووي، إذ أن السياسة الخارجية، وفقًا للدستور، عادة ما ترتبط من بالقائد الأعلى في النظام، فلا يمكن لوزارة الخارجية أو الحكومة أن تسير في معاهدة لا تحصل على رضى المرشد الأعلى، وعليه لا يمكن لأي رئيس أن يبطل الاتفاق النووي طالما هذا الاتفاق وتطبيقه ما زال يحظى بموافقة ومباركة المرشد.

 

وكان رئيسي قد أعلن خلال الحملة الانتخابية، أن "الاتفاق النووي ببنوده التسع التي نالت موافقة القيادة العليا في إيران كغيره من المعاهدات يجب الالتزام بها، ولكن تطبيق الاتفاق يحتاج إلى حكومة قوية في الداخل، فالاقتدار الخارجي ينبع من الاقتدار الداخلي".  وهذا يعني أن حكومة رئيسي القادمة لن تتخلى عن الاتفاق او عن المسار التفاوضي، لكنها ستستخدم آليات – تعتبر برأيه – أكثر فعالية وقوة وصلابة في التعامل مع "الأعداء"، وما هو قد يطيل أمد المفاوضات ويعقّدها قبل الوصول الى اتفاق نهائي مع الولايات المتحدة الأميركية.

 

وبين هذين السيناريوهين، يبقى الأمر رهن الموقف الأميركي، حيث هناك اتجاه جدّي لدى الدول المفاوضة عبّر عن كل من الروس والأميركيين والإلمان يميل الى التخلص من التعقيدات التفاوضية مع وفد مفاوض جديد، والمسارعة الى عقد اتفاق مع الحكومة الايرانية الحالية خلال الشهرين القادمين، لأن إطالة أمد التفاوض لن يفيد أحداً، وسيعقّد الأمور، فلما لا يتم التوصل الى اتفاق خلال الأسابيع القادمة طالما أن اي اتفاق يتم عقده مع الحكومة الايرانية الحالية، سوف يتم الالتزام به من قبل الحكومة الايرانية القادمة عملاً بمبدأ استمرارية السلطة[1].

 

وهناك اتجاه أخر، عكسته تصريحات رافائيل جروسي، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، والذي اعتبر أن الجميع يدرك أنه يجب انتظار الحكومة الجديدة في ايران[2].

 

بالنتيجة، من المؤكد ان ما لم تستطع أن تحصل عليه الولايات المتحدة من حكومة روحاني المعروفة بتمسكها بالخيار التفاوضي والدبلوماسية، لن تستطيع أن تحصل عليه من حكومة يشكّلها المحافظون، فالأفضل أن يتم التوصل الى اتفاق خلال الاسابيع القادمة قبل آب المقبل. علماً أن الانتظار سوف يخلق مشاكل إضافية للولايات المتحدة متعلقة بالعقوبات على رئيسي نفسه، لذا من الافضل الوصول الى اتفاق يسمح للادارة بإزالة العقوبات التي فرضها ترامب على الشخصيات والكيانات الايرانية، وذلك قبل التعامل مع الحكومة الايرانية الجديدة لتجنّب الاحراج الداخلي في الولايات المتحدة الأميركية، خاصة مع الجمهوريين في الكونغرس وفي الاعلام. وهكذا، إن الوصول الى  اتفاق مع حكومة روحاني يبقى الخيار الأمثل، إلا اذا دخل الشيطان في التفاصيل. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق