2021/06/21

مَن يضع المسيحيين بين خيارين: التقوقع أو الهجرة؟


فجأة ظهرت على الساحة الاعلامية والسياسية أحاديث وخطب وبيانات تتحدث عن دور المسيحيين ووجودهم في لبنان، فادّعى البعض أن الوجود المسيحي في لبنان يمكن أن يختصر بقريتين، وادعى البعض الأخر أن ممثل المسيحيين الأول في النظام، وهو رئيس الجمهورية، لا يحق له بأي مشاركة في السلطة التنفيدية، لا تمثيلاً ولا تصويتاً ولا مجرد رأي، وذلك في تنكّر واضح للدستور اللبناني والمادة 53 منه.

وبكل الأحوال، وفي النظر الى السياق التصاعدي للخطابات المتعلقة بتشكيل الحكومة، نجد أهدافها الداخلية كما يلي:

-      محاولة الحصول على تنازلات تتعلق بالتدقيق الجنائي ومكافحة الفساد ونهب المال العام. لذا فإما أن يكون سعد الحريري رئيساً للحكومة، فيدفن التدقيق الجنائي بواسطة الاكثرية التي يمتلكها هو وحلفائه من الترويكا، أو أن يتم المقايضة على الحريري بتسوية، يتم فيها التضحية بسعد مقابل التنازل عن التدقيق الجنائي.

-      وفي إطار آخر، يبدو أن السياسيين وبعدما أمعنوا في نهب المال العام، يعمدون اليوم ضمن سياسة الهروب الى الامام، على تخويف الطوائف، والتي ستندفع بدافع الخوف الى أن تكون أمام حلّين: التقوقع والانعزال او الهجرة.

ولعل أكثر المستهدفين اليوم في هذا التخويف، هم المسيحيون الذين يشعرون بأن هناك مَن لم يتقبل أن يعود دورهم في النظام، فلطالما قامت قوى الترويكا بهضم حقوقهم وتعيين ممثلين للمسيحيين موظفين لدى الحريري الأب، أو ممن يرضى عنهم الأطراف الأخرون.

والمؤسف أن هذا الخطاب الطائفي يعطي دفعاً للقوى اليمينية لدى المسيحيين، والذين نادوا دائماً بضرورة تأسيس "كونتون" يسكنون فيه لوحدهم ووذلك بسبب خوفهم من الذوبان في محيط اسلامي طاغٍ، فينادون بالتقوقع والانغلاق انطلاقاً من باب حفظ الوجود والذات.

في المقابل تتراجع مع هذه الخطابات قدرة المسيحي المنفتح على الصمود، وهو الذي يرفض اعتباره "بقايا جالية صليبية" في هذا الشرق، ويؤكد دائماً أنه جزء لا يتجزأ من قضايا الأمة العربية، وأن مصيره مرتبط بشكل وثيق بمصير الأمة ككل، وينادى بوحدة المصير مع المسلمين.

بات من الصعب على هذا الجزء الأخير من المسيحيين أن يصمد، وهو الذي يعتبر ان وجوده كأقلية لا يشكل له تهديداً من المسلمين، وأن حفظ دوره ووجوده يقضي بالانفتاح على المحيط والالتزام بقضاياه مع الحفاظ على الخصوصية الثقافية والتعددي. ففي ظل هذا السعار الطائفي لا مكان للانفتاح ولا لاحترام حق الآخر في الاختلاف ولا لعيش مشترك حقيقي.

فعلياً، كشفت الأزمة الحكومية زيف كل شعارات التعايش، ومعانقة الصليب والهلال، والنفاق الذي يعيشه اللبنانيون منذ زمن، فكل الادعاءات السابقة بأن لبنان لا يستطيع أن يحلّق إلا بجناحيه، لم تكن سوى دعايات ممجوجة من قبل سياسيين وأفراد تشرّبوا الطائفية والمذهبية منذ الصغر.

لقد دمرت الميليشيات الدولة خلال الحرب، ونهبت ما تبقى من مقدراتها ومدخرات اللبنانيين بعد الحرب، للافلات مما اقترفته والحصول على عفو عام مالي، يبدو أن هذه الطبقة السياسية مستعدة لإحراق لبنان وتدمير الهيكل على مَن فيه. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق