2021/06/05

القلق الاسرائيلي: فقدان الشرعية الدولية!

كان التأييد الذي حظيت به القضية الفلسطينية مؤخرًا غير مسبوق عالميًا، وخاصة في الولايات التحدة الأميركية، حيث شهدت العديد من الولايات تظاهرات مؤيدة لفلسطين، وعلت أصوات في الكونغرس الأميركي تطالب بمنع اسرائيل من ضمّ الأحياء الفلسطينية في القدس ووقف معاناة الفلسطينيين.

وكتب السناتور بيرني ساندرز مقال رأي في صحيفة نيويورك تايمز يدعو الأميركيين الى عدم خلق الذرائع لتأييد اسرائيل، فالفوضى التي اندلعت في الأسابيع الأخيرة كانت بسبب الاستفزازات التي قام بها المتطرفون اليهود في القدس، وكذلك المحاولات غير القانونية الإسرائيلية لإجلاء السكان الفلسطينيين قسرًا من أحد أحياء المدينة المقدسة.

ولا شكّ أن داعمو فلسطين استفادوا من انتشار الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والاعلام الفضائي، وعدم القدرة على احتكار الخبر والصورة، وهو ما ساهم في خلق رأي عام عالمي مساند لحق الشعب الفلسطيني، وكاشف لحجم المجازر التي قامت بها اسرائيل.

لكي لا نفرط في التفاؤل حول هذه الظاهرة ولأن دروس التاريخ تعلمنا أنه حين تقاعس العرب والفلسطينيون عن الاستثمار في حركات التأييد تلك، والبناء عليها ورفدها بالتقارير الدائمة، وبالمقابل قامت اسرائيل بحملات إعلامية وسياسية ودبلوماسية هجومية مرتدة، تقلّص حجم دعم الرأي العام العالمي المؤيد لفلسطين.

منذ البدايات، استطاعت الحركة الصهيونية العالمية ترويج روايتها المزورة حول حقّ مزعوم في فلسطين، واستطاعت أن تطوّق الرأي العام الدولي بأكاذيبها وتضليلها، لتحدث شروخاً عميقة في حركة التضامن العالمية مع الشعب الفلسطيني وقضيته، لنزع مشروعية الكفاح المسلح الفلسطيني ووصمه بالعمل التخريبي أو الإرهابي.

 وحتى عندما نجحت نضالات الشعب الفلسطيني في انتزاع اعتراف عالمي بمقاومته وباعتبار الصهيونية مرادفاً للعنصرية، تحركت الآلة الإعلامية والسياسية الصهيونية والقوى المساندة لها على المسرح الدولي، وخاصة الولايات المتحدة لتفريغ هذا الاعتراف من محتواه الإيجابي، ولإلغاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379 باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية.

ولكي يستطيع الفلسطينيون الاستثمار في ما تحقق والبناء المستقبلي على حملات التضامن مع قضيتهم وللوصول الى مساحة تفقد فيها اسرائيل شرعيتها الدولية مما يفقدها أحد أهم أركان قوتها، لا بد لنا من الإدراك ان التيارات المساندة لفلسطين هي مزيج فسيفسائي يحمل تنوعاً في المنطلقات ووسائل التعبير والمفردات المستخدمة، وحتى في الاهداف المراد الوصول لها.

وتتراوح منطلقات وأهداف هذا التيارات، بين الحدّ الاقصى الذي يؤيد تحرير فلسطين من النهر الى البحر واستعادة كل الاراضي المحتلة منذ عام 1948 (وهي التيارات المنضوية  في محور المقاومة)، وبين الحدّ الأقصى في الجهة المقابلة الذي يكتفي بانتقاد السياسات الاسرائيلية ومطالبتها بـ "أخلاقيات أكثر" في التعامل مع الفلسطينيين، وما بين هذين الحدّين، هناك تيارات وناشطون وأفكار ورؤى، ويمكن اختصارها بما يلي:

- تيار يعتبر اسرائيل كيانًا غير شرعي، يجب إزالته. وعلى مرّ السنين، ومع توقيع اتفاقيات أوسلو، وموجات التطبيع وموجات الربيع العربي، تراجع حجم هذا التيار ليقتصر بشكل أساسي على قوى محور المقاومة وداعموها.

- تيارات حقوقية قانونية، تعترض على قيام اسرائيل بانتهاك القانون الدولي، من خلال الجرائم والفرز العنصري والاستيطان وغيره، وهي تقوم بتقديم تقارير قانونية بشكل دائم يمكن للفلسطينيين البناء عليها وتسويقها.

- بعض تيارات اليسار القديم، الذي ما زال يؤمن بضرورة مواجهة الامبريالية. وهؤلاء يجدون في الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين، والدعم الأميركي لإسرائيل امبريالية يجب محاربتها.

- تيارات السلام، وهؤلاء يرفضون الحروب، ويدعون للسلام في العالم، وتجدهم في الخط الأمامي للتظاهرات المناوئة للحرب، بغض النظر عن البقعة الجغرافية.

- ناشطون يساندون القضية الفلسطينية، إنطلاقاً من رفضهم للهيمنة والاحتلال والعنصرية كافة، وحق الشعوب في تقرير مصيرها.

- ناشطون يتحركون بدافع "كره الصهيونية" وأدواتها، ولكنهم مع حق اسرائيل في الوجود وفي الامن، ويدعون  الى حل سلمي شامل بين الطرفين.

- تيارات تؤيد حلّ الدولتين، لذا تدعم الشعب الفلسطيني وتؤيد حقه في الحرية وفي اقامة دولة يعيش فيها بسلام جنبًا الى جنب مع دولة اسرائيل.

ولقد أثبتت التجارب أن مجموع هذه الحركات يشكّل قيمة معنوية عالمية هائلة لا يستهان بها، وإن لها تاثيرات ايجابية - ولو محدودة- في الضغط على صنّاع القرار في الغرب. ولكنها، بالرغم من ذلك، تبقى في إطار التأييد الانساني الموسمي، الذي لا يلبث أن يخفت ويتلاشى ولم يستطع أن يصل يومًا إلى مستويات مُرضية تعبّر عن تأييد دائم وفعال ومستدام.

ولقد علمنا التاريخ، وخاصة تجارب شعوب العالم التحررية بِأن ما اصطلح على تسميته بالرأي العام الدولي، لا يتحرك مؤازراً ومسانداً إلا على وهج الانتصارات الميدانية التي تتحقق أو على وقع فظائع ومجازر كبرى يندى لها جبين البشرية، وهذا يعني أن عدالة القضية وأحقيتها التاريخية والانسانية والقانونية بحد ذاتها ليست محركاً كافياً للارتقاء بوعي وتعاطف الرأي العام الدولي، للانخراط في التأييد المتنامي والمستدام.

 لذلك لا يمكن الاتكال على تحرك الرأي العام العالمي من تلقاء نفسه ولا على ابقاء الحس التضامني قائمًا ما لم يقم داعمو فلسطين بخطوات فاعلة للتواصل معه بشكل مستمر وفعّال ودائم، وقبول التنوع الذي يحمله، وعدم التخلي عن أي جزء من أجزائه مهما اختلفت تعابيره ووسائله.

إن صياغة استراتيجية إعلامية وسياسية للبناء على ما تحقق، يبدو ضرورة ملّحة، خاصة إذا ما لاحظنا أن الاسرائيليين يخشون أن تتحوّل المقاومة من "استراتيجية تدمير اسرائيل" الى استراتيجية "الانهيار من الداخل" كما حصل مع الاتحاد السوفياتي ونظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، والتي تحتاج بشكل أساسي الى تحويل إسرائيل إلى دولة منبوذة وفاقدة الشرعية على الصعيد الدولي.

لا شكّ أن نزع الشرعية عن الممارسات الاسرائيلية، يجب أن يكون جزء لا يتجزأ من الجهد الذي يبذله الناشطون المؤيدون لفلسطين،ولعل أبسط تعبير عما يمكن أن تعيشه اسرائيل من خطر وجودي في ظل تآكل شرعيتها الدولية، هو ما عبر عنه الصحفي الاسرائيلي آري شافيت يوماً بقوله، أن الخطر على اسرائيل أن تتحوّل من حركة قومية تملك "شرعية بدون كيان" الى "كيان بدون شرعية".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق