2021/08/16

سياسة "الانتقام" في لبنان: فشل نموذج ونجاح آخر

يعيش اللبنانيون منذ عام 2017 ظروفاً صعبة، وخاصة منذ اعتقال الرئيس سعد الحريري في السعودية ومحاولة اجباره على الاستقالة، والتطورات التي رافقتها وقيام اللبنانيين وخاصة رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه، بتأخير قبول الاستقالة، لحين قيام وزير الخارجية جبران باسيل بتشكيل ضغط دولي على السعودية لإطلاق سراحه.

واقعياً، لم يسامح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان اللبنانيين، على ما قاموا به وما اعتبره "تحدٍ لإرادته"، وهو الذي أراد من إجبار الحريري على الاستقالة، تعويض - ما اعتبره السعوديون- إخلال في توازن النفوذ في لبنان، واعتقادهم بأن الحريري ضعيف وأنه قام بزيادة نفوذ حزب الله وإيران في لبنان.

ومنذ ذلك الحين، يعيش لبنان على وقع سياسة انتقام سعودية، زادتها الضغوط الأميركية التي بدأها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على كل من لبنان والعراق وسوريا وإيران، والتي تبلورت في خطة بومبيو للفوضى في لبنان، وذلك حين دعا صراحة اللبنانيين (آذار 2019) الى مواجهة حزب الله، أو تحمّل المجاعة.

بشكل عام، إن النظرية العقلانية في العلاقات الدولية، لا تقيم وزناً للعوامل السيكولوجية والنفسية، والشعور بالعار والهزيمة والخسارة، في دفع صانع القرار الى تأجيج العنف أو السعي للانتقام، فهي تعتبر أن صانع القرار عقلاني، وأنه يدرس بدقة تكاليف الربح والخسارة في أي قرار، ويتخذ قراره بناءً على دراسة المعطيات بموضوعية، واختيار الأنسب من البدائل المطروحة أمامه، أي البديل ذا الربح النسبي ( أي الأقل كلفة وألأكثر ربحاً).

وبالرغم من ذلك، نجد أن العديد من القرارات الدولية تصاغ بحسب العوامل النفسية والشخصية لصانع القرار، وأن الانقتام يستخدم كاستراتيجية، ونجده في نموذجين:

1-  النموذج الأول: الانتقام بدافع الانتقام

تلعب العوامل الثقافية دوراً رئيسياً في تفسير السلوك الانتقامي، سواء في السياسة المحلية أو في العلاقات الدولية.

ومن الناحية السيكولوجية، يرتبط الانتقام والثأر الى حد بعيد بالشرف والهوية، بالاضافة الى بعض العوامل النفسية التي تؤدي الى استخدامه منها الاعتداد بالنفس، والشعور بالهزيمة والذل التي يمكن اعتبارها من الاسباب الرئيسية التي تؤدي للانتقام.

وتحفل تقافات الشرق الأوسط بشكل عام، بمخزون ثقافي يقدس الشرف والكرامة، ويرفض الذل والهوان.

وهكذا، وقياساً على النظرية العقلانية، إذا أردنا تقييم السياسة السعودية في لبنان، والتي تتجلى بمزيج من الحرد والانتقام، نجد أن الخسائر الفعلية أكبر من الأرباح المحققة من هذه السياسة، حيث أن الانكفاء السعودي المرحلي الأول ساهم بتقوية النفوذ التركي الذي وجد متنفساً له في العديد من مناطق الشمال وصيدا، وفي الشارع السنّي الذي عانى كما معظم اللبنانيين من نتائج سياسة الضغوط القصوى والتي أصابت الفقراء منه، ما جعل المساعدات الخارجية أمراً مهماً في زيادة القوة الناعمة التركية.

2-  النموذج الثاني: الانتقام بدافع الردع

إضافة الى حسابات الربح والخسائر، تركّز النظرية الواقعية على أن "الافعال والحروب وسواها لا تُطلب لذاتها بل كوسائل فعّالة لهدف سياسي ونهاية أبعد... لذا، فإن الخيار العقلاني يهتم بايجاد الوسيلة الافضل لبلوغ الهدف بشكل أفضل".

بهذا المعنى، نجد أن الانتقام قد يكون وسيلة مقبولة إذا ما استُخدم في إطار سياسة ردع العدو، فالخوف من الانتقام قد يدفع العدو الى التراجع عن تهديداته وعن رغبته بشنّ الحرب، وهو المسار الذي اتخذته المقاومة في لبنان في التعامل مع "اسرائيل".

هذه الوسيلة تهدف الى حمل العدو على التراجع خوفاً من عواقب المواجهة مع الخصم، وهي قد تؤدي الى ضمان الاستقرار في ظل حالة الفوضوية التي تطبع النظام الدولي، فخوف الأطراف من ردة فعل الطرف الآخر تخلق نوعاً من "توازن الرعب".

ولطالما استخدمت الدول وسيلة التهديد بالانتقام، وقد هدد كل من الرئيس الصيني والروسي مؤخراً بالانتقام وبرد فعل ساحق في حال قام الأميركيون بتهديد الأمن القومي للبلاد. وعليه، إن التهديد بالانتقام بدون تنفيذه يجعل من مصداقية الدول على المحك، ويهدد أمنها واستقرارها.

وفي هذا الإطار، يبرز إطار التناسب بين الفعل وردّ الفعل، وهو ما يميّز النموذج الانتقامي الثاني عن النوذج الأول. ففي وقت تقوم فيه المقاومة باحتساب دقيق للفعل وردّ الفعل والأشخاص المستهدفين بالانتقام، نجد أن النوع الأول المطبق على لبنان قد تحوّل الى عقاب جماعي لشعب بأكمله، بالرغم من أن هناك فئات لا بأس منه، تدين بالولاء أو التأييد لمنفذ الانتقام.

 

من هنا، فإن دراسة السلوكيات السياسية للقوى الفاعلة على الساحة اللبنانية، نجد أنه - على المدى الطويل– لا يمكن لأي دولة أن تستخدم الانتقام والقوة الصلبة والتهديد بدون أن تقدم شيئًا من القوة الناعمة لتسويق نفسها "قوة للخير" ونموذجاً يقتدى به. وعليه، إن إنكفاء السعودية عن التعامل مع الشعب اللبناني مباشرة، والاكتفاء بدعم بعض القوى السياسية الحزبية، وتمويلها لإيصال نواب لها الى البرلمان لا يمكن ان يُصرف سياسيًا على المدى الطويل، خاصة إذا أن هذا يشي بأن السعودية تخلت عن مناطق نفوذها الطبيعي لصالح نفوذ مكتسب قد لا يدوم.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق