2021/10/22

اشتباك الطيونة وما تلاه.. في ميزان الأرباح والخسائر

زالت أحداث الطيونة تتفاعل داخل الساحة اللبنانية، ويستمر الخارج في تقييم الأحداث الداخلية في لبنان، واستخلاص العبر والنتائج على الصعد كافة. ومباشرة بعد الأحداث الأمنية، وبعد خطاب السيد حسن نصر الله، انقسمت آراء المحللين والناشطين، فمنهم من اعتبر أن الأحداث وخطاب السيد نصر الله كشفا الوجه الحقيقي للقوات اللبنانية، بينما اعتبر آخرون، ومنهم القواتيون، أن السيد نصر الله خدم القوات انتخابياً وشعبياً عبر شدّ العصب المسيحي، وإظهار القوات كأنها "الجهة الوحيدة التي تستطيع الوقوف في وجه حزب الله".

 

وفي تقييم لما حصل خلال الأسبوع المنصرم، يمكن للمراقب إدراج ملاحظات عديدة، ووضعها في ميزان الأرباح والخسائر، أبرزها:

 

أولاً: استفادة محلية ضيّقة مقابل فشل استراتيجي

واقعياً، كان جعجع يحتاج إلى افتعال مشكلة أمنية يظهر فيها قدرته على العمل الأمني في الشارع، بعدما استمرت القوات وعبر العديد من قيادييها وناشطيها في التهديد بقدراتها العسكرية وعرض عديد قواتها (15000 مقاتل) لمهام داخلية "كبرى"، من دون أي عمل عسكري فعلي على الأرض، باستثناء قطع الطرقات الذي واكب تحركات 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019 وما تلاها، والاعتداء على بعض الناشطين والحزبيين هنا وهناك.

 

وكان بعض التقارير الصحافية قد أشار، قبل أسبوع من أحداث الطيونة، إلى أن السعودية مستاءة من القوات الذين يتلقّون الأموال الطائلة من دون أن يحققوا أي شيء في المقابل ضد حزب الله، معتبرة أن النتائج التي تحققت لا تساوي الأموال التي صرفتها السعودية كتمويل.

 

لهذا، يمكن القول إن افتعال المشكلة الأمنية الأساسية وقنص المتظاهرين حقّقا لجعجع (في البداية) ما يريده، من إثبات القول بالفعل وما وعد الخارج به، بأنه يستطيع القيام بمشكلة أمنية مع حزب الله، وبالتالي نتوقع أن يستمر التمويل الخارجي للقوات، ويزيد، ربطاً بما حصل في الطيونة.

 

لكن، عدم انجرار الحزب إلى الردّ بالمثل وعدم انخراطه في الاقتتال الشوارعي، فوّتا الفرصة على الهدف الأكبر الذي يريده الخارج، وهو جرّ لبنان إلى حرب داخلية تحرج وتربك المقاومة في لبنان، وتحوّلها إلى ميليشيا أسوةً بالميليشيات الأخرى، وتلهيها عن الصراع الوجودي مع "إسرائيل".

 

وفي هذا الإطار، بدا خطاب السيد نصر الله وقائياً وردعياً؛ فالقوات قد تندفع انطلاقاً من مصالح داخلية ضيقة، لتكون رأس حربة في مشاريع خارجية كبرى، فتتدحرج الأمور إلى حرب أهلية مسيحية إسلامية ــ بعدما فشلت الفتنة السنية الشيعية ــ يريدها الخارج لتحقيق أهداف استراتيجية مرتبطة بالصراع مع "إسرائيل".

 

ثانياً: غموض احترافي ضيّعه حب الظهور

بدا الغموض الذي لفّ الجهة التي أطلقت النار وقنصت المتظاهرين، لافتاً في الساعات الأولى للاشتباك، إلى درجة تجعل المراقب يشكّ في أن استراتيجية التخفّي المتّبعة هي أكثر احترافاً من أداء الميليشيات اللبنانية المعروفة، فلا صورة لأي قناص أو مسلح من الطرف المقابل، ولا وجوه ولا فيديوات إلا من طرف واحد.

 

وما يثير الشكوك، هو أن هذا التخفّي المحترف، عادةً ما تمارسه الدول (لا ميليشيات الشوارع) في حروبها الجديدة، أي في الجيل الخامس من الحروب (الهجينة)، حيث تعتمد أسلوب التخفّي الشديد، والغموض الهائل، وتقوم بأنشطة خفيّة أو قابلة للإنكار، فلا يُعرف تماماً ما حصل، ومن هي الجهة التي قامت بالعمل العسكري أو الاغتيال أو غير ذلك.

 

لكن، مع خروج القوات اللبنانية بأفرادها، وقيادييها ورئيسها، لإعلان النشوة والانتصار، غاب الغموض وطار الاحتراف المفترض، وخرج سمير جعجع ليؤكّد المؤكّد، ويتباهى بـ"ميني 7 أيار" مسيحي، وتخرج الأصوات القواتية وراءه، لادّعاء بطولات "وهمية" ضدّ حزب الله، محيّدين حركة أمل التي اشتبكت معهم، ومصوّرين الأحداث كأنها اجتياح للمناطق المسيحية تمّ صدّه... مع هذه التصريحات، غابت الاحترافية التي سادت الساعات الأولى لقنص المتظاهرين، وأُعيد المشهد إلى زواريب الداخل اللبناني.

 

ثالثاً: في مقولة "شدّ العصب المسيحي"

لعل الخطأ الأكبر الذي وقع فيه بعض المحللين هو الحديث عن شدّ العصب المسيحي. إن هذه العبارة تشي بالكثير من عدم الفهم للشارع المسيحي ووجدانه وانقساماته:

 

من هم أساساً مع القوات، وأصحاب الأفكار التقسيمية والعنصرية من المسيحيين (نحن وهم)، وأصحاب الحنين إلى الحرب الأهلية (موجودون في كل الأحزاب المسيحية وغير المسيحية)، هؤلاء هم مشدودو العصب بنحو دائم، ولا يحتاجون إلى اقتتال شوارع لشدّ عصبهم. ومن الصعب أن تجد مسيحياً منفتحاً على الآخر، وضد الحرب الأهلية في الأساس، ومؤمناً بفكرة الدولة ونهائية الكيان اللبناني بحدوده الحالية، بات مستعداً للتصويت للقوات لأنهم "شدّوا عصبه" باقتتال بعناوين طائفية في الشوارع.

 

استفادت القوات إعلامياً وشدّت عصب قوى 14 آذار وأسهمت في رفع معنوياتها بعد العديد من النكسات التي تعرّضت لها تلك القوى، كما أنعشت أصحاب النزعات المذهبية ومَن يستفيدون من الفتن ويحنّون إلى زمن التشبيح والحرب من مختلف الطوائف اللبنانية.

 

 لكن قد لا يُصرف هذا الأمر انتخابياً، لأن هؤلاء يأكلون من الطبق نفسه. إلا إذا تحالفوا انتخابياً، وحينذاك سيكون ما يحصدونه انتخابياً هو نفسه مع الفتنة أو من دونها.

 

باتت المعضلة الجديدة هي أن ظهور القوات كميليشيا تسعى إلى عودة الحرب الأهلية، سوف يحرج منظمات المجتمع المدني (التي هي من خارج عباءة القوات) الداعية إلى بناء الدولة وإطاحة كل رموز السلطة وشعارات الحرب الطائفية، وهي المدعوّة من قبل الغرب إلى التحالف مع القوات وباقي الأحزاب لتوحيد الجهود والأصوات في الانتخابات لإطاحة السلطة (المقصود بها حزب الله والتيار الوطني الحر). 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق