2014/01/23

المسكوت عنه في محاكمة قتلة الحريري


د. ليلى نقولا الرحباني
تستمر المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في جلساتها، وكانت أمور عدّة قد لفتت المراقبين في مطالعة المدعي العام نورمان فاريل، الذي استند إلى دليل اتصالات أشبه بـ"فاتورة مفصّلة" من شركة "ألفا"، لإثبات التهمة على المتهمين الخمسة، بالإضافة إلى إعلان طائفة المتهمين، والإيحاء بأن المؤامرة لاغتيال الحريري بدأت مع استقالته من الحكومة، وفي ذلك إشارة إلى التوتر السياسي مع السوريين وحلفائهم اللبنانيين.

أما بالنسبة لإعلان طائفة المتهمين، فلم يكن ذلك خطأ  من المدعي العام كما اعتبر البعض، إذ نلاحظ من خلال قراءة القرار الاتهامي المعدّل الصادر في 21 حزيران 2013، وفي المقدمة تحت إطار (أولاً - المقدمة)، ص 2، يدرج المدعي العام أنه يتهم الأفراد الخمسة بموجب قانون العقوبات اللبناني، والقانون اللبناني المؤرخ 11 كانون الثاني 1958، بشأن "تشديد العقوبات على العصيان، والحرب الأهلية، والتقاتل بين الأديان".. وهذا يعني أن المدّعي العام يريد الإشارة إلى أن الجريمة حصلت بدافع طائفي، وهو ما يؤكده الملحق التابع لنص القرار الاتهامي نفسه، حيث قام الادّعاء بتمويه عبارة على الأرجح أن تكون مذهب الشخص "سُنّي"/ ماروني.. بعد اسم كل قتيل في العملية.

أما بالنسبة للتوتر السياسي، ورغم أنه فعلاً كان هناك توتر سياسي في المنطقة في تلك الفترة، خصوصاً بين السعودية وسورية، لكن ما لم ينتبه له الادعاء أن التوتر بين "القاعدة" والسعودية كان أكبر بكثير من التوتر السعودي - السوري، ونُدرج بعض تفاصيله فيما يلي:

 في 12 أيار 2003، حصل تفجير إرهابي كبير في الرياض نفّذه انتحاري فجّر نفسه في مجمّع فينيل، فقُتل 35 شخصاً، وجُرح 200 آخرين، وسرت شائعات في ذلك الوقت بأن الحرس الوطني السعودي كان متورطاً في مؤامرة أو محاولة انقلاب، لكن لم يُكشف أي شيء بعد ذلك عن نتائج التحقيق، وتمّت لفلفلة القضية.

ثم شهدت الأعوام من 2003 ولغاية 2006 العديد من العمليات الانتحارية وعمليات استهداف للأجانب وللشرطة السعودية، وتمّ اعتقال وقتل عدد كبير جداً من نشطاء القاعدة، معظمهم سعوديون، بالإضافة إلى جنسيات أخرى كالتشاد ومصر وغيرها، ودخلت السعودية في مرحلة عدم استقرار وحالة حرب حقيقية مع "القاعدة"، إذ تُسجّل التقارير استهدافاً يومياً للمدنيين والأجانب والشرطة بشكل خاص، وقتل واعتقال العديد من المسلحين، بالإضافة إلى تقارير عن قطع رؤوس، وانتحاريين وسيارات مفخخة وتعذيب في السجون.

وتذكر الصحف أن أحد الإرهابيين الكبار المدعو فايز إبراهيم أيوب، ورقمه 14 على اللائحة السعودية (ب)، سلّم نفسه إلى السفارة السعودية في بيروت في 1 تموز عام 2005، ولكن السلطات السعودية نفت ذلك، وفي آب من العام 2009 قام الانتحاري عبدالله حسن الأسيري بتفجير نفسه بحزام ناسف، في محاولة لاغتيال الأمير محمد بن نايف، الذي نجا من محاولة الاغتيال تلك.

هذه التفاصيل التاريخية تشير إلى إمكانية كبيرة لضلوع "القاعدة" بعمل انتقامي، فلماذا أغفل التحقيق أو تجاهل إمكانية قيام "القاعدة" بقتل رفيق الحريري لأسباب سعودية وليست لبنانية؟ وما الذي يمنع من أن تكون القاعدة قد قتلت الحريري انتقاماً من المملكة العربية السعودية، التي قتلت واعتقلت وعذّبت آلاف الناشطين من "القاعدة" في تلك الفترة بالذات؟

ثانياً: ما مدى صحة تسليم أحد أهم المطلوبين نفسه إلى السفارة السعودية في بيروت في تموز من السنة نفسها التي اغتيل فيها الحريري؟ وماذا كان يفعل هذا الإرهابي الكبير في بيروت؟ وكيف مرّ على الأمن العام اللبناني وهو مطلوب بتهم الإرهاب ومدرج على لائحة الإرهاب السعودية تحت رقم 14\ ب التي تمّ تعميمها؟ ولماذا لا يكون هو أحد منفذّي اغتيال الحريري؟ وإن صحت تلك الفرضية، هل التعمية على الأمر تعود إلى أن الاتهام كان قد وُجّه في ذلك الوقت إلى سورية، أو لأنه مرتبط بمؤامرات داخلية في السعودية؟

ثالثاً: هل قامت لجنة التحقيق الدولية بفحصDNA  لتكتشف إن كان هذا الانتحاري المجهول الهوية هو أحد المطلوبين على لائحة الإرهاب السعودية؟

كل هذه المعطيات يبدو أن الادعاء تجاهلها، كما تجاهل اعترافات "مجموعة الـ13"، وسار بمسار واحد نحو أدلة ظرفية حول تزامن اتصالات لخطوط هاتفية في مكان وجود الحريري، وعليه، لا يبدو أن المحكمة ستسير نحو معرفة الحقيقة الكاملة في اغتيال رفيق الحريري، طالما أنها لم تقم تحقيقاً شفافاً مهنياً، ولم تلتزم أعلى معايير العدالة الدولية، بل تبدو وكأنها أداة إضافية لتسعير الصراع السُّني الشيعي المستعر أصلاً في المنطقة منذ قدوم الأميركيين.


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق