2014/06/22

العراقيون يمسكون بمستقبل الشرق الأوسط

د. ليلى نقولا الرحباني
ما أن حصلت التطورات الأخيرة في العراق، وتمّ اسقاط الموصل من قبل "داعش" مدعومة بقوى عراقية، منها من تبقى من بعثيو صدام حسين، وبعض العشائر، بالإضافة الى الخيانة التي حصلت في الجيش العراقي، حتى غاب المشهد السوري عن واجة الأحداث ليحلّ مكانه أخبار العراق والارهاب المتفشي فيه.
وقد يكون المحور الداعم للارهاب في العراق، المهزوم في سوريا، قد استطاع أن يضرب ضربته الاولى ويستفيد من عنصر المباغتة والصدمة، لكن الخطر الذي استشعره الشعب العراقي، جعله يعود فيمتص الصدمة ويستوعبها، ويبدو أنه سيعود ليسيطر على الوضع الميداني في ظل وعي عراقي شامل بضرورة مكافحة الارهاب، وعدم السماح بتقسيم العراق.
بالمبدأ، يحق للحكومة العراقية أن تقوم بطلب التدخل العسكري لمساعدتها على مكافحة الارهاب وإعادة المناطق العراقية الى كنف الدولة، إذ أن شرعية التدخل العسكري في القانون الدولي، تحدده أطر ثلاث:
الاولى: إذا كانت الحكومة طالبة التدخل، تمارس صلاحياتها كحكومة شرعية وفق القواعد الدستورية للدولة، فالتدخل في هذه الحالة هو "عمل شرعي" جاء بناء لطلب الحكومة الشرعية.
الثانية: تدخل دولة الى جانب دولة ثانية بموجب معاهدة دفاع مشترك، على سبيل المثال، تنص على حق الدفاع الجماعي عن النفس وهو حق تكفله المواثيق الدولية وميثاق الامم المتحدة. 
الثالثة: حالة الحرب الاهلية: لقد دافعت الدول دائمًا عن حقها في التدخل لمساعدة سلطات صديقة خلال حرب أهلية ما، واعتمدت في هذا الإدعاء على أن الحكومات تمثل الدول السيدة، وبالتالي من حق الحكومة أن تستدعي قوات أجنبية الى داخل أراضيها لمساعدتها في اشاعة الاستقرار مهما كان تأثير هذا التدخل على الوضع السياسي المستقبلي للدولة.
وبالرغم من كل هذه الاسباب التي تعطي القدرة للحكومة العراقية لطلب التدخل، إلا أنه - برأينا- من الأفضل ألا يتمّ التدخل العسكري في العراق، وذلك للأسباب التالية:
أولاً: إن أي تدخل أميركي مفترض، سيكون عبر بعض الضربات الجوية يقوم بها الأميركيون بواسطة طائرات بدون طيار، ما سيزيد التبعية العسكرية للدولة العراقية وسيكبدها مبالغ هائلة بدون فائدة ميدانية كبرى على الأرض، فتحقيق الانتصار لا يكون من الجو، بل بواسطة التقدم البري مترافقًا مع ضربات جوية وقصف مدفعي.
ثانيًا: إن أي تدخل ايراني عسكري مباشر، سيزيد المذهبية في العراق، وسيعطي ذريعة لبعض الدول الخليجية لتبرر تدخلها - وهو تدخل سابق للتدخل الايراني- لكنها ستعمد الى تبرير زيادة دعمها للمسلحين بحجة أنها تواجه التمدد الايراني العسكري في العراق.
ثالثًا: والأهم، أن لدى الشعب العراقي القدرة والصلابة والعزم الكافي للتصدي للارهاب، واسترداد ما اقتطع من أرض العراق، وهو ما ظهر من خلال الحشود الشعبية التي تطوعت للدفاع عن العراق، والتي باتت تشكّل رافدًا أساسيًا يرفد الجيش العراقي بدعم شعبي، يحصّنه ويقويه في مواجهة الارهابيين.
إن قيام العراقيين بأنفسهم بالتصدي لكل محاولات تقسيم العراق، ولكل محاولات الارهابيين السيطرة على أجزاء من العراق، سيزيد من عزم هذا الشعب ويزيد لحمته ويخفف من انقساماته، فأمام الخطر الوجودي يجب ان تنتفي كل التباينات الطائفية والمذهبية.
في النتيجة، يقاتل العراقيون اليوم، كما فعل السوريون من قبلهم، يقاتلون للدفاع عن أنفسهم وقيمهم وووطنهم في المقام الأول، ويقاتلون للدفاع عن الشرق الأوسط بأكمله في المقام الثاني. بيد العراقيين اليوم مصير المنطقة، فإن سُمح بتقسيم العراق، لن تسلم دولة من التقسيم، وإن إنهار العراق تحت ضربات الارهابيين، لن تبقى المنطقة على حالها، وسيسود الظلام والتخلف كافة المناطق العربية... لذا، على جميع الدول العربية، دعم العراقيين في حربهم على الارهاب، التي باتت معركة مصير ووجود، ومَن يهلل اليوم لانتصار "داعش" سيبكي نفسه غدًا، ولسان حاله سيقول" "أكلت يوم أكل الثور الابيض".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق