2021/02/05

خطة بايدن اليمنية: إنقاذ الأمن القومي السعودي

 

في كلمة متوقعة، أعلن الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن أن "الحرب في اليمن يجب أن تتوقف"، مُعلنًا أن بلاده ستتوقف عن دعم أي عمليات عسكرية وصفقات أسلحة مرتبطة بالهجوم السعودي على اليمين، ومؤكداً أن ما حصل في اليمن "كارثة استراتيجية". في المقابل، أكد أن بلاده ستواصل دعمها للسعودية للدفاع عن أمنها وسيادتها ومواطنيها.

 

وكانت السعودية قد بدأت تدخلها العسكري المباشر في اليمن، أو ما أسمته عاصفة الحزم، في 25 آذار/ مارس من عام 2015،  رداً على تحقيق الحوثيين انتصارات واسعة في الداخل اليمني ودخولهم الى صنعاء بعد نشوب الاقتتال الأهلي. وأنشأت السعودية تحالفاً من عدة دول عربية أطلقت عليه اسم "التحالف العربي"، وشاركت الولايات المتحدة وبريطانيا في تقديم الدعم اللوجستي، كما شاركت العديد من الدول الغربية في بيع الاسلحة المستخدمة في تلك الحرب.

 

أدت الحرب والقصف غير المسبوق من قبل التحالف الى مجاعة ونقص في الغذاء والدواء والمواد الحيوية ومقتل أعداد كبيرة من المدنيين وخاصة الأطفال ، جعلت الأمم المتحدة تصف الوضع في اليمن بـ "أسوأ كارثة إنسانية في العصر الحديث على الاطلاق".

 

وهكذا، يمكن اعتبار أن خطة بايدن الجديدة سيكون عنوانها "إنقاذ السعودية" خاصة بعدما تبيّن أن نتائج الاستراتيجية السعودية المطبقة منذ عام 2015، والهادفة الى ضمان أمنها أدّت الى إضعاف الأمن القومي السعودي أكثر، وباتت بحاجة الى إعادة مراجعة جذرية، ويمكن أن نشير الى الفشل السعودي ارتبط بأسباب عدّة أهمها:

 

- غياب الوضوح في تعريف الأمن القومي:

 

من وجهة نظر السعودية، كان نجاح الحوثيين في السيطرة على صنعاء وعلى العديد من المناطق اليمنية، انقلاب مدعوم من إيران على حدودهم الجنوبية، وبالتالي عليهم التحرك لضمان الأمن القومي للمملكة.

 

بالتأكيد، من الناحية الأمنية والعسكرية المطلقة، يشكّل تغيّر ميزان القوى الاستراتيجي في بلد مجاور للسعودية خطر على الأمن القومي السعودي، خاصة في ظل وضع اقليمي ضاغط وتنافس محموم في الخليج على اكتساب القوة، خاصة بعدما تمّ توقيع الاتفاق النووي بين ايران والدول الست عام 2015 أيضاً.

 

وهنا، تكمن المشكلة في استخدام السعودية للتعريف التقليدي للأمن القومي، والذي ساد في الخمسينات والستينات من القرن العشرين، والذي ربط الأمن القومي بالتهديد العسكري، أو كما عرّفه  والتر ليبمان (1943): تتمتع الدولة بالأمن عندما لا تضطر إلى التضحية بمصالحها المشروعة لتجنّب الحرب، وتكون قادرة على الحفاظ على مصالحها من خلال الحرب إذا شعرت بالتهديد".

 

لكن الأمن القومي بمفهومه الحديث، لم يعد يقتصر على الحروب والقوة العسكرية، بل يتمّ تعريفه بأنه مزيج متناسب من "المرونة  والنضج السياسي، والموارد البشرية، والقدرة الاقتصادية، والكفاءة التكنولوجية، والقاعدة الصناعية وتوافر الموارد الطبيعية وأخيراً القوة العسكرية" التي تؤدي الى حفظ الدولة واستقلالها ومواردها وبقاءها ونفوذها الاقليمي.

 

من هنا، فإن الأمن القومي السعودي- حتى بمعناه التقليدي- لم يتم حفظه بعد حرب اليمن. فاليوم، وبعد ست سنوات على بدء تلك الحرب، حققت الإمارات العديد من الأهداف الاستراتيجية وسيطرت على الممرات البحرية وعززت مكانتها الاقليمية، بينما لم تحقق السعودية مكاسب واضحة، فهي أنفقت مليارات الدولارات، وعرّضت سمعتها الدولية للاهتزاز بسبب المجازر التي حصلت، وتعرّض الأمن القومي السعودي للخطر الشديد بعدما استمر الحوثيون في استخدام الطائرات بدون طيارات في قصف المدن والمطارات والبنى التحتية السعودية.

 

- غياب العقلانية:

 

يؤمن العلم السياسي وعلم العلاقات الدولية أن صانع القرار في الدولة هو شخص عقلاني، أي أنه عندما يواجه أزمة ما، فإنه يجمع المعطيات الكافية حولها، ويضع البدائل المختلفة فيدرسها؛ ليختار من بينها ما هو الأقل كلفة والأكثر ربحاً.

 

في هذا الإطار، بدا صانع القرار السعودي وكأنه يؤمن بأن السياسة "لعبة صفرية" أي أنه يستطيع أن يذهب الى خيار حرب بلا نهاية إلا تحت إطار "قاتل أو مقتول".

 

علماً أنه، منذ البداية،  كان واضحاً من خلال اعتماد نظرية الخيار العقلاني، أن خيار الحرب على اليمن هو خيار مكلف مادياً وبشرياً وإنسانياً، وبالتالي كان بإمكان صانع القرار السعودي، في معرض اختيار الوسائل الأنسب للردّ على التهديدات المتأتية من الاقتتال الأهلي اليمني، ان يختار طريق الدبلوماسية ورعاية حوار يمني - يمني، كما فعل سابقاً حين رعت السعودية "المبادرة الخليجية" عام 2011، والتي أمّنت انتقال سلس للسلطة بعد الثورة على علي عبد الله صالح.

 

واقعياً، لو اختارت السعودية أن تقوم مقام "الأخ الأكبر" لليمنيين، وترعى حوار يمني - يمني يؤدي الى توزيع عادل للسلطة بين القوى اليمنية المتصارعة، وقامت بدفع جزء من الأموال الطائلة التي انفقتها في الحرب على تنمية اليمن، والاستثمار في البنى التحتية والمدارس ومساعدة اليمن اقتصادياً واجتماعياً، لاستطاعت أن تحفظ أمنها القومي التقليدي (حماية اراضيها وحدودها من التهديدات)، وأن تجعل اليمن دولة صديقة، لا بل كان من الممكن أن تجعلها دولة حليفة تدور في الفلك السعودي.

 

عسى أن تكون خطة بايدن اليوم، وتقييم الخسائر التي تكبدتها السعودية على حرب اليمن، باب لفهم أوسع للأمن القومي الخليجي، فالسلام والتعاون المتبادل يمكن أن يحقق الأمن للجميع. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق