2021/09/07

لبنان: الاميركيون في مرحلة إعادة تموضع أو إعادة انتشار؟

لم يكد السيد حسن نصرالله الاعلان عن انطلاق باخرة نفط من إيران حتى لبنان، حتى سارعت السفيرة الأميركية الى الاتصال برئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون، وإبلاغه قرار الادارة الأميركية بمساعدة لبنان لمواجهة الأزمة المستفحلة التي يعيشها، وبالتالي الموافقة على استجرار الطاقة الكهربائية من الأردن وتسهيل استجرار الغاز المصري الى لبنان، وذلك عبر سوريا.

وبالفعل، وبعد الضوء الأخضر الأميركي، انطلق وفد حكومي لبناني الى سوريا للتنسيق في تطبيق هذين الأمرين، وتقرر عقد لقاء عمل لوزراء الطاقة في سوريا ولبنان ومصر والاردن، لبحث آلية التعاون وتطبيق تلك الاتفاقيات التي يعود بعضها الى ما قبل الحرب في سوريا. والمؤسف أن عرضاً أردنياً لتزويد لبنان بالطاقة الكهربائية تمّ الحديث عنه عام 2017، ولكن الكيدية السياسية اللبنانية وعدم رغبة حكومة الحريري بالتعاون مع دمشق عطّلت إمكانية استفادة لبنان من هذا العرض الذي كان سيوفّر الكثير على الخزينة اللبنانية.

وبالتأكيد، إن التطور في هذا الملف، واستثناء الكهرباء والغاز من العقوبات الأميركية على سوريا بموجب قانون قيصر، سيفتح كوّة في جدار الحصار الأميركي على سوريا عبر العقوبات.

هل يعني هذا هزيمة أميركية وانسحاباً من المنطقة أو إعادة تموضع وانتقال الى خطط بديلة بعد فشل في تحقيق الاهداف عبر الوسائل السابقة؟

تقوم المسلمات الأميركية في الاستراتيجية المطبقة في المشرق العربي، على ما يلي:

-      أمن اسرائيل وازدهارها

بداية، لا بد من الاشارة الى أن خط الغاز العربي الذي تريد السفيرة الأميركية إعادة إحيائه  لتأمين الغاز المصري الى لبنان، قد تعرّض للكثير من الهجمات الارهابية، في كل من سوريا ومصر على حد سواء وبالتالي قد يحتاج الى تمويل من البنك الدولي لإعادة ترميمه، وهذا يعني تعاون البنك الدولي مع الحكومة السورية ومدّها بالاموال اللازمة لذلك.

بالأساس، تم إنشاء هذا الخط  من أجل نقل الغاز المصري إلى دول المشرق العربي ومنها إلى أوروبا، ولكن التطورات الميدانية التي حصلت واقتطاع تركيا لجزء من الجغرافيا السورية، يجعل من الصعب اليوم استخدامه لهذه الغاية، وبالتالي من غير الممكن لهذا الخط أن يحقق أية أهداف استراتيجية كبرى إلا بعد التسوية الشاملة في المنطقة.

في مقابل إعادة إحياء خط الغاز العربي، يعمل الأميركيون منذ عام 2019 على تـأسيس خط آخر لتصدير الغاز الى أوروبا، عبر منتدى غاز شرق المتوسط، الذي تعمل على تطوير التعاون في مجال الغاز الطبيعي في شرق المتوسط وتحقق استغلالاً حقيقياً لموارده، وهو يضم اسرائيل من ضمن مجموعة من الدول الأخرى في المنطقة.

إذًا، إن الخط العربي المنوي إحياؤه لا يؤثر فعلياً على اسرائيل وقدرتها على تصدير الغاز في المستقبل الى اوروبا، وبالتالي إن الضوء الأخضر الذي أعطاه الاميركيون لنقل الكهرباء والغاز الى لبنان عبر سوريا، تبدو جزءًا من تخفيف وقع الانهيار وكنتيجة لفشل "خطة بومبيو" في لبنان.

 

-      احتواء النفوذ الروسي في المنطقة

تبدو الخطط الاميركية لرسم خطوط الطاقة في المنطقة، موجهة بالأساس لمنع الروس من الاستمرار في السيطرة على أمدادات الطاقة الى أوروبا، وقد يكون البديل الذي أوجده الروس لخط أنابيب أوكرانيا، إن عبر خطوط السيل الشمالي 1 و2، أو عبر خط السيل التركي، بالاضافة الى عدم قدرة الأميركيين والغرب على تأمين الغاز لخط نابوكو، هو الدافع للتوجه نحو شرق المتوسط لتأمين الغاز الى أوروبا بسعر مقبول، وذلك عبر منتدى غاز شرق المتوسط، والذي لا يمكن أن يستمر ويتطور إلا عبر وجود أميركي في المنطقة، يجعل من الدول المنضوية فيه تحت تأثير النفوذ الأميركي المباشر.

-      احتواء النفوذ الايراني في المنطقة

لا شكّ أن قدوم السفن الايرانية المحملة بالمحروقات الى كل من سوريا ولبنان، ستكون بمثابة تغيير استراتيجي كبير سيؤثر على موازين القوى في الداخل اللبناني.

ان سنوات من الحرب الاعلامية المدفوعة لتحميل حزب الله مسؤولية الانهيار الاقتصادي، خرقها الاعلان عن قدوم البواخر، وانتظار اللبنانيين الفرج القادم عبر الصهاريج من سوريا. وبدا أن غالبية اللبنانيين – بمختلف انتماءاتهم- يرحبون بالفرج القادم عبر البواخر الايرانية، بدليل ان الرئيس المكلف نجيب ميقاتي أعتبر "أن من يعيب علينا قدوم البواخر الايرانية فليقدم لنا شمعة".

 

إذاً، يبدو الحراك الأميركي مستعجلاً لتخفيف وطأة الانهيار اللبناني، بعد أن تبين بالوقائع أن الانهيار الاقتصادي لم يجعل اللبنانيين يتخلون عن سيادتهم في مياههم، وأنهم لن يفرطوا بالثوابت، وأن الجوع لن يجعل اللبناني أقل قوة وبأساً في مواجهة اسرائيل عسكرياً... وبالتالي، إن الرهان على نجاح خطة بومبيو( مواجهة حزب الله أو الجوع)، باء بالفشل، ولا بد من الانتقال الى الخطة ب، وإلا زادت الخسائر وانقلبت موازين القوى في الداخل اللبناني لغير مصلحة الاميركيين وحلفائهم. وعليه، إن الحديث عن خروج أميركي من المنطقة شبيه بخروجهم من أفغانستان ما زال مبكراً، علماً أن الخطة ب، قد لا تؤكد أن الاميركيين لن يتخلوا عن حلفائهم في لبنان في نهاية المطاف.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق