2022/03/02

أوكرانيا: لماذا يندفع الاوروبيون للحرب؟

منذ بدء الحديث السياسي والاعلامي في الغرب عن حشود عسكرية روسية على حدود أوكرانيا وقيام الأميركيين بإعطاء مواعيد للهجوم الروسي على أوكرانيا واستمراراً مع بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، يلاحظ المراقب أنه كان هناك ما يوحي بأن باندفاعة غربية غير مبررة نحو الحرب والتصعيد الدراماتيكي، فكل التسويات والمساعي الدبلوماسية لم تؤدِ الى الجلوس الى طاولة المفاوضات لمعالجة الهواجس الأمنية الروسية، ولا الى التعامل مع الطلبات الروسية بواقعية براغماتية تؤدي الى تسويات تنقذ أوكرانيا والعالم من هول الحرب.

وإذا كانت النظرة الأولى توحي بأن الولايات المتحدة الأميركية المستفيد الأكبر من هذه الحرب، وخاصة إدارة الرئيس بايدن، التي كانت تحتاج الى هذه الحرب لتعويم الرئيس الذي يحظى بأدنى مستوى من التأييد الشعبي منذ السبعينات من القرن الماضي، بالاضافة الى فشله في الملف الاقتصادي والهجرة على الحدود المكسيكية وغيرها، وزد على ذلك الانقسام الداخلي الأميركي والتهديد الذي يشكّله ترامب والتضخم غير المسبوق الذي تلا جائحة كورونا. وعادةً، تعمد المؤسسات الحاكمة في العديد من الدول التي تواجه مشكلات بهذا الحجم الى تصدير أزماتها الى الخارج، وقد لا تشذّ المؤسسة الحاكمة الأميركية عن هذا الامر (انظر مقالنا في موقع الميادين في  22 كانون الأول المنصرم: هل تفتعل أميركا حرباً لتفادي الانقسام الداخلي؟)[1]

إذاً، هذا موقف مفهوم بالنسبة للأميركيين الذين لا تحصل الحرب على أرضهم ولا على مقربة منهم. لكن المستغرب كان موقف الاتحاد الاوروبي، الذي أبدى تصلباً شديداً وفرض الحدّ الاقصى من العقوبات والتي تضرّ باقتصاده كما تضرّ بالاقتصاد الروسي، وبدا أعضاؤه مندفعين الى التصعيد حتى قبل بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا.

وفي تحليل للأوضاع الاقتصادية والسياسية في الاتحاد الأوروبي والعالم، نجد أن الأوضاع التي سادت خلال السنوات المنصرمة، تؤشر الى أنه يمكن أن نكون اليوم أمام ظروف مشابهة لمقدمات الحروب العالمية السابقة:

يعطي هذا السياق التاريخي الآتي نظرة على مقدمات الحروب، ويبحث في أسباب اندفاعة الأوروبيين الى التصعيد من وجهة نظر غير جيوبوليتكية، تسعى الى فهم موقف قادة الاتحاد الاوروبي الساعي الى تأجيج الصراع مع جارهم الروسي الذين يرتبطون معه بعلاقات اقتصادية ويعتمدون عليه في استجرار الغاز، بدل الذهاب الى تسوية سلمية يخرج الجميع منها رابح.

فما هي مقدمات الحروب الكبرى؟

1-  عولمة وعصر ذهبي

يسبق الحروب الكبرى في العالم عادة، موجة موجة ضخمة من التصنيع والتبادل أو ما يسمى العولمة إلتي تؤدي الى الازدهار الاقتصادي. ومعها يكون هناك "عصر ذهبي" للإعلام والبنية التحتية والتجارة وما إلى ذلك ... تزدهر الشركات الكبرى ويحل التطور التكنولوجي، الأمر الذي يؤدي إلى تغيّر في سوق العمل، مما يؤدي إلى حدوث عجز في التوازن بين العرض والطلب على العمل. بما أن العرض أقل بكثير من الطلب، فإن الفرص الاقتصادية والطلب على العمالة (خاصة العمالة الرخيصة) تشجّع المهاجرين الاقتصاديين للهجرة الى البلدان الأكثر ازدهاراً وتصنيعاً.

2-  فجوة طبقية وأزمة هوية

نتيجة لهذه الموجة من العولمة والهجرة، يشهد المجتمع ارتفاعًا كبيرًا في الاستهلاك، ما يسمح بأرباح هائلة للشركات الكبرى، وفجوة طبقية بين طبقات المجتمع. يؤدي هذا المزيج المعقّد من التغييرات الجوهرية السريعة في المجتمع والدولة إلى "انعزال" الأشخاص الذين يشعرون أنهم لا يستطيعون مواكبة أو احتواء هذه التغييرات السريعة في حياتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية. الامر الذي يخلق أزمة هوية سياسية واجتماعية وثقافية.

3-  ركود اقتصادي ونظريات المؤامرة

في وقت معين، تنفجر الفقاعة، مما يؤدي إلى الركود والبطالة والكساد. تستغل وسائل الإعلام الأزمة للحفاظ على جمهورها فتبث الأخبار الكاذبة وتنتشر نظريات المؤامرة، وتزدهر الشعبوية.

4-  الشعبوية - القومية

الركود يعمق الأزمة ويخلق أزمة جديدة: الشعبوية التي تترافق مع فكر قومي متعصب. ويخرج الشعبويون (أمثال دونالد ترامب) مستغلين الأزمة التي تغذي الكراهية من خلال تعزيز نظريات المؤامرة وكراهية الأجانب والعنصرية ونشر الأكاذيب. يصبّ هؤلاء غضبهم ويحفزّون الجماهير ضد طرفين:

 أ) ضد النخب السياسية فيتهمونها بأن حكمها السيء هو ما أوصل المجتمع الى كل هذه الأزمات.

ب) ضد المهاجرين الذين "سرقوا الوظائف" وغيّروا الثقافة ويهددون الحضارة والهوية.

5- الحرب

عادة ما يتراكم كل ما سبق ذكره من مشاكل إقتصادية واجتماعية وسياسية، فتؤدي الى حرب. وهكذا ينشأ اقتصاد الحرب، فيتم الانتفاع بها من قبل شركات السلاح والسياسيين الذي يعيدون بناء استثماراتهم وثرواتهم من خلال الاستثمار بالحرب.

لا تشذّ مقدمات الحربين العالميتين الأولى والثانية عن هذا السياق، فنجد أن العصر الذهبي في نهاية القرن التاسع عشر، وتوسع الاستعمار بحثاً عن أسواق، والأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية داخل الدول الصناعية، انفجر على شكل حرب كبرى. أما الحرب العالمية الثانية، فسبقها موجة الكساد العالمي عام 1929، ثم أدّت التطورات وارتفاع الشعبوية اليمينية - القومية، وأدى سباق النفوذ والتسلح الى انفجار الحرب.

أما اليوم، وإذا نظرنا الى التطورات العالمية منذ التسعينات، فإن العولمة التجارية وعولمة الاتصالات والتكنولوجيا، ثم الهجرة الاقتصادية سواء تلك الطوعية أو القسرية عبر التشجيع على الهجرة من الشرق الأوسط للعمالة غير المحترفة والتي لا تنافس اليد العاملة الأوروبية ( موجة لجوء السوريين وغيرهم)، وتأثير ذلك على المجتمعات الأوروبية وارتفاع اليمين الشعبوي الخ.. كلها عوامل تشي بأنها مقدمات شبيهة بمقدمات الحروب الكبرى. وبدون أن نغفل عوامل الجيوبوليتيك المرتبطة بالصراع العالمي وسباق النفوذ، يمكن الإشارة الى الركود الذي سببته موجة كورونا، كفقاعة محفزّة للحرب كما كان الكساد العالمي أحد أسباب الحرب العالمية الثانية.

وبكل الأحوال، مهما كانت نتيجة الحرب في أوكرانيا، ستكون أوروبا أحد أبرز الخاسرين من هذه الحرب، فالقارة هي مسرح الصراع، وإن موجة اللجوء الجديدة، والتهديدات المتبادلة، وتوقف الاستثمار الروسي في دولهم، والكلفة الاقتصادية المترتبة على الانخراط في العقوبات لن تكون بدون تداعيات.

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق