2022/03/07

تراجع القوة الناعمة الغربية


كشفت الحرب في أوكرانيا وقبلها جائحة كورونا تراجع حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة في العالم أجمع بدون استثناء. فبعد أن تغنى الغرب لسنوات طويلة بحرية التعبير والتشديد على الحريات العامة وحرية إبداء الرأي، واتهم الدول المعادية له بأنها شمولية وديكتاتورية تقوم بقمع الرأي الآخر ومنعه من التعبير عن نفسه، كشفت جائحة كورونا ومن بعدها الحرب في أوكرانيا أن الغرب يتجه الى منع أي رأي مخالف لما هو سائد أو للرواية الحكومية، فخلال الجائحة وصل الأمر بشركتي فيسبوك وتويتر ووسائل التواصل الاجتماعي الى منع إبداء أي تشكيك في اللقاح أو في إجراءات الحظر تحت طائلة المنع من النشر وإقفال الحسابات.

وهذا إن دلّ على شيء فهو إنما يدل على تراجع الحريات في العالم بعد قرون من النضال في سبيل تلك الحقوق، وهو ما سيؤثر على تأثير ونفوذ الغرب في العالم بفقدانه تأثير "القوة الناعمة" عشيّة التحوّل الى نظام عالمي جديد.

وتعرّف القوة الناعمة، بحسب جوزيف ناي، بأنها "قدرة دولة معينة على التأثير في دول أخرى وتوجيه خياراتها العامة، وذلك استنادًا إلى جاذبية نظامها الاجتماعي والثقافي ومنظومة قيمها ومؤسساتها، بدلاً من الاعتماد على الإكراه أو التهديد".

وهي تقوم على ثلاثة مصادر:

أ- الثقافة: أي القيم والممارسات التي تضفي معنى ما على أي مجتمع، وتتجسد في اللغة والأدب والفن والإعلام وغيرها.

ب- القيم السياسية: مثل حرية الصحافة، وقدرة الفرد على انتقاد حكومته، وحرية التعبير إلخ.

ج- السياسات الخارجية: وهي مكوّن هام من مكونات "القوة الناعمة"، فاتباع سياسات خارجية مصممة بشكل جيد ومغرٍ، سيدفع الدول الأخرى إلى أن تحذو حذو الدولة التي تستخدم القوة الناعمة.

لكن الأهم من العناصر السابقة كلّها، وفقًا لـ"ناي"، هو المصداقية والشرعية، فإذا كانت الثقافة والقيم السياسية والسياسات الخارجية متناقضة مع القيم المقبولة عالميًا، قد يؤدي ذلك إلى التنافر، خاصة إذا كان هناك تناقض بين ما تقوله الدولة وما تفعله. لكن عندما يكون نظام دولة ما مرغوبًا وشرعيًا بالنسبة للآخرين، فهي تستطيع أن تحقق أهدافها. ويضيف "عندما تستطيع من خلال الإعلام، ومن خلال رغبة الآخرين بأن يريدوا ما تريده أنت، فأنت لا تحتاج الى بذل مجهود على العُصي والجزر لجعلهم يمشون في الطريق الذي تريده".

 وبعكس ما يظن كثيرون من أن الحرب الاقتصادية والعقوبات والتجويع هي من أساليب القوة الناعمة، فإن تلك الآليات هي جزء من الحرب الصلبة، أي هي نموذج من أساليب الحروب الجديدة التي استبدلت القصف والحصار عبر السفن وقطع المعابر لتجويع الشعوب لإخضاعها، باستخدام النفوذ والقدرة على فرض حصار غير مرئي وعقوبات اقتصادية تقوم بنفس مقام أساليب الحروب القديمة وهي ليست من النعومة بشيء.

من هنا، نفهم أن القوة الناعمة هي مجرد أدوات إغراء للقلوب والعقول عبر الاعلام والنموذج والأهم "المصداقية". لذا، إن منع أي صوت آخر من التعبير عن رأيه المخالف وحجبه ومعاقبته هي من أساليب الديكتاتوريات، وبالتالي أن قيام الغرب بمكافحة وشيطنة أي رأي معارض للرأي السائد يؤدي الى فقدانه للمصداقية بما يدّعيه من قيم ويبشّر بها في العالم.

النتيحة، إن هذه الاجراءات ستجعل من الغرب يفقد أحد أبرز أدواته في معركة النفوذ العالمي وهي "قدرته على إقناع العالم ب "استثنائية نموذجه" الملهم للشعوب الطامحة الى الحرية، وهذا سيؤثر على الغرب والعالم وعلى مسار حقوق الانسان في العالم بشكل عام.

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق