2022/05/07

هل صدر القرار بإنهاء الحريرية السياسية للأبد؟

 

لم يكن التصويب الذي قامت به صحيفة عكاظ السعودية على سعد الحريري على مدى أيام متتالية، ونعته بـ "الجيفة السياسية" سوى إنعكاس لمسيرة طويلة من التصويب على الرجل وحشره، منذ إعتقاله في السعودية في تشرين الثاني من عام 2017، ولغاية اليوم.

 

يتهم أنصار تيار المستقبل، سمير جعجع بالوشاية على سعد الحريري في السعودية أدّت الى اعتقاله في ذلك الحين، ويقولون أن الاجماع اللبناني على المطالبة بعدم قبول استقالة الحريري من الرياض، و الذي اعتمده الرئيس عون، لم يخرقه سوى موقف القوات اللبنانية التي أعتبرت الاستقالة منتهية ونافذة، وأن رفضها من قبل الرئيس عون هو تخطٍ للدستور اللبناني وانتهاك له.

 

لا يحسد سعد الحريري ولا محبيه وجمهوره على الموقف الذي يجدون أنفسهم به على أبواب الانتخابات النيابية، فلا تكتفي باتهام للحريري بـ "العمالة لإيران وحزب الله"، وأن "المقاطعة" تخدم الحزب والتيار، بل هناك ضغوط من هنا وهناك لإعطاء التوجيهات للتصويت للوائح سمير جعجع لإكسابه زعامة سنية، تحل محل زعامة الحريري.

 

لا شكّ أن الحياة عبارة عن مجموعة من الخيارات التي نتخذها في مواجهة الظروف التي نجد أنفسنا بها، وعليه، إن ما يعانيه الحريري اليوم هو نتيجة لخيارات "انقلابية" في السياسة قام بها، أدّت الى ما أدّت إليه، وهي على الشكل التالي:

 

1- التحالف الرباعي 2005 والانقلاب عليه 2008:

 

مباشرة بعد اغتيال والده، تسّلم الحريري الشاب غير المخضرم سياسياً مسؤولية تيار شعبي على مساحة لبنان. فانخرط كما جماعات 14 آذار الأخرى في التحالف الرباعي (تحوّل الى سداسي) في انتخابات لبنان النيابية لعام 2005، مستثمرين في دماء الحريري الأب، ومتهمين بأن كل من يصوّت ضد هذه اللوائح إنما يصوّت لقتلة الحريري، فحصد هذا التحالف(14 آذار والثنائي الشيعي) الغالبية النيابية في تلك الانتخابات.

 

وبعد الانتخابات، انقلب الحلفاء على حليفهم الانتخابي - حزب الله، وساندوا الحرب الاميركية – الاسرائيلية لنزع سلاح الحزب عام 2006، وكان السنيورة والعديد من القوى البارزة في تيار المستقبل مع قوى 14 آذار الأخرى، على تنسيق مع وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس التي اعتبرت حرب تموز هي "مخاض ولادة الشرق الأوسط الجديد".

 

وبعد فشل الحرب في تحقيق أهدافها، وفشل القدرة على تسويق "نقاط السنيورة السبعة" للتسوية التي كانت تريد ان تأخذ من لبنان ما لم يستطع أن يأخذه الاسرائيلي بالحرب. انتقل الأميركيون الى الخطة (ب) لنزع سلاح حزب الله، وهي تأليب القوى الداخلية على الاطاحة بحزب الله، فكانت قرارات 5 ايار التي تلاها 7 أيار 2008.

 

2- الانخراط في الحرب السورية:

 

لطي صفحة الخلافات والصفحة السوداء التي تلت اغتيال الحريري الأب، قام سعد الحريري بزيارتين الى سوريا (2009 و2010)، وألتقى الرئيس السوري بشار الأسد، مبشراً بفجر جديد للعلاقات بين البلدين.

 

لم تكد الحرب تبدأ على سوريا، حتى انخرط تيار المستقبل فيها دعماً للمجموعات المسلحة، تدريباً وتسليحاً وتسهيلاً لوصول العتاد وتأميناً لمأوى وغطاء لتلك المجموعات سواء في طرابلس وعرسال وسائر المناطق اللبنانية التي للمستقبل نفوذ واسع فيها.

 

لاحقاً، انقلبت موازين القوى في سوريا لصالح الدولة السورية وتمّ إنهاء بؤر الارهاب في لبنان، لكن بقيت سياسات قوى 14 آذار والمستقبل معاندة لاي انفتاح وتنسيق لبناني مع دمشق، ما فوّت على اللبنانيين القدرة على إعادة النازحين وحلّ الكثير من القضايا العالقة والتي تفيد لبنان مالياً واقتصادياً.

 

3- الانخراط في التسوية 2016 والانقلاب عليها 2019:

 

كانت التسوية التي عقدها جبران باسيل مع سعد الحريري والتي قضت بوصول رئيس الجمهورية ميشال عون الى سدة الرئاسة مقابل وصول الحريري الى رئاسة الحكومة، المنقد والخلاص للحريري بعد سلسلة من الاخفاقات السياسية والمادية والافلاس المالي. واقعياً، كبّلت التسوية والآليات التوافقية وموازين القوى داخل الحكومة رئيس الجمهورية وتياره وحدّت من قدرتهم على تطبيق أي برنامج إصلاحي كانوا يعدون الناس به.

 

في السنة التي تلت الانتخابات الرئاسية في لبنان، انحسب التغيير الذي حصل في الولايات المتحدة على منطقة الشرق الاوسط، وكسب ولي العهد السعودي غطاءً من الرئيس دونالد ترامب للقيام حملة تطهير شاملة في المملكة، كان أحد ضحاياها سعد الحريري نفسه، الذي استطاع بفعل الدعم اللبناني والضغط الدولي الخروج  من السعودية والعودة الى لبنان.

 

 وفي لحظة مفصلية في تاريخ المنطقة، حيث اعتمد الرئيس الأميركي دونالد ترامب سياسة هجومة كاسحة في الشرق الأوسط، هدد بومبيو اللبنانيين بـ "مواجهة حزب الله أو الأزمات الاقتصادية"، فكانت ثورة 17 تشرين الأول 2019 إحدى تداعياتها.

 

أدرك الجميع أن التيار الوطني الحر وحزب الله هم المستهدفون بشكل أساسي في تلك الثورة، فخرج الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ليدعم كل من "العهد والحكومة". صمد العهد ورئيسه أمام كل حملات الهجوم والتخوين والشيطنة، لكن سعد الحريري استقال بدون التشاور مع حلفائه، ممنياً النفس بالعودة على حصان "الثورة" الأبيض، بعد أن يكون قد تخلص من التسوية ومن حليفه جبران باسيل. لكن الخطة فشلت وابتعدت فرص الحريري بالعودة الى رئاسة الحكومة.

 

إذاً، هي سلسلة من الخيارات التي قام بها سعد الحريري أدّت الى ما أدّت إليه سواء على صعيد لبنان أو على صعيد تيار المسقبل. ولا شكّ أن انخراط الحريري في "الانقلاب" الذي كان محضراً له في 17 تشرين الاول 2019، ودخول لبنان في الانهيار الذي سببه تراكم 30 سنة من السياسات الحريرية الاقتصادية والمالية الريعية، وفساد مستشري حيث تمّ نهب خزينة الدولة ومال المودعين في المصارف على مدى عقود، عمّق أزمته السياسية التي تتجلى اليوم، بشيطنة له من قبل السعودية وقوى 14 آذار والسنيورة نفسه، والتي قد تتوّج بضغوط على الحريري "تجبره" على المساهمة في تنصيب جعجع زعيماً للسنّة في لبنان، ما يعني انتهاء الحريرية السياسية للأبد.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق