أجرى مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي أي أيه"، وليام بيرنز، زيارة غير معلنة إلى السعودية حيث التقى بنظرائه السعوديين. وقالت صحيفة "وال ستريت جورنال" إن بيرنز أعرب، خلال الزيارة، عن "انزعاج" واشنطن من التقارب بين الرياض وطهران بوساطة صينية، وانفتاح المملكة على العلاقات مع سوريا.
قد يكون
صحيحاً أن الأميركيين منزعجين من أن السعودية اتخذت مسارات إقليمية متمايزة عن
المواقف الأميركية، لكن قد يكون هناك ما يمكن أن يزعج الأميركيين أكثر، وهو إعلان
السعودية انفتاحها على استخدام عملات غير الدولار الأميركي في التجارة الدولية
(تصريح وزير المالية السعودي محمد الجدعان لوكالة بلومبرغ في 17 كانون الثاني/
يناير 2023).
و عليه، إن
صحّ أن السعودية ستقوم باستخدام العملات المحلية في تجارة النفط العالمية خاصة مع
الصين، فقد يكون هذا خط أحمر أميركي فعلي، لن يستطيعوا غضّ النظر به مع حليف قوي
وهام كالسعودية. لماذا؟
أولاً:
سيطرة الدولار على التجارة العالمية للنفط
تاريخياً،
بدأت سيطرة الدولار الأميركي على التجارة والتعاملات الدولية بعد الحرب العالمية
الثانية، بعد مؤتمر بريتون وودز عام 1944 في واشنطن. حينها، وافق المجتمعون على
ربط العملات بالدولار الأميركي بسبب حيازة الولايات المتحدة غالبية احتياطات الذهب
في العالم، ووافقت الولايات المتحدة على استبدال عملتها بالذهب بسعر ثابت قدره 35
دولاراً للأونصة. كما تمّ إنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء
والتعمير.
أدّى هذا
الربط الى تحويل الولايات المتحدة الى قوة مالية عالمية، فأصبح الدولار أهم عملة
احتياط وصرف في العالم، فتهافتت البنوك المركزية على الدولار من أجل تكوين
احتياطياتها، وكذلك هيمنت الولايات المتحدة على كل من صندوق النقد والبنك الدولي.
عام 1971،
أعلن الرئيس الأميركي ريشارد نيكسون بصورة مفاجئة فكّ ارتباط الدولار بالذهب وترك
العملة الأميركية للسعر الذي تستحقه. وفيما بعد، وخلال عام 1973، وبعد أزمة النفط
العالمية الكبرى، ظهر ما يسمى "البترودولار" أي تسعير النفط ودفعه
بالدولار الأميركي، ما ساهم ببقاء هيمنة الدولار الأميركي عالمياً.
وبالرغم من
الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 التي بدأت بانهيار البنوك الأميركية، بقي
الدولار الأميركي مهيمناً على التعاملات الدولية بسبب ثقة العالم بقوة الولايات
المتحدة اقتصادياً وسياسياً. وهكذا، بقيت هيمنة الغرب وخاصة الأميركيين على
الآليات المالية الدولية، الى أن دفعت التطورات العالمية الى رغبة الدول بتحدي تلك
الآليات ومحاولة التخلص من هيمنتها.
ثانياً:
العالم يريد التخلص من الهيمنة المالية
منذ عام
2014، حاولت دول بريكس BRICS أن تخلق آليات موازية للآليات الغربية المالية، فاتفقت
على إنشاء بنك التنمية الجديد، وصندوق احتياطي الطوارئ (لتوفير الحماية للعملات الوطنية ضد ضغوط المالية)، وهو آلية
موازية لصندوق النقد الدولي.
عملياً، دقّ
عام 2014 ناقوس الخطر بالنسبة لدول العالم لسببين:
1- قيام الولايات المتحدة بفرض غرامة على بنك باريبا (BNP) الاوروبي قدرها 9 مليارات دولار إلى الولايات المتحدة
بسبب قيامه بتمويل صادرات بالدولار الأميركي لدول خاضعة لعقوبات أميركية آحادية هي
كوبا والسودان وإيران.
2-
فرض عقوبات مالية واقتصادية
على روسيا بسبب ضمّها القرم، ومنعها من
التداول بالمراسلة المالية العالمية Swift . الأمر الذي دفع روسيا وبعدها الصين الى إنشاء نظام
مراسلة مالي مستقل، وناقشت قمة بريكس عام 2015، إنشاء نظام للمراسلة المالية
الدولية بديلاً لسويفت.
عام 2022،
وعلى أثر الحرب الاوكرانية، اعتمد الغرب سلسلة من العقوبات الاقتصادية والمالية
غير المسبوقة على الروس وصادروا الأصول المالية للدولة الروسية وقاموا بتجميد
احتياطيات النقد الأجنبي للبنك المركزي الروسي بالدولار واليورو.
هذه
الإجراءات وشعور الدول عامة والصين خاصة بأنها قد تكون الضحية التالية بعد روسيا،
دفعتها الى محاولة استبدال الدولار في تعاملاتها الدولية بعملاتها المحلية، والسير
بمشاريع إنشاء عملات وآليات مالية موازية للآليات الغربية.
ثالثاً: هل
ينجح مشروع إنزال الدولار عن عرش الهيمنة
العالمية؟
بالمبدأ، ليس
من شيء ثابت في العلاقات الدولية. في وقت من الأوقات، وفي خضم سيطرة بريطانيا على
العالم (Pax
Britannica) كان الجنيه
الاسترليني هو العملة المهيمنة على التبادلات الدولية، ثم أتى الدولار الأميركي
ليحلّ محله.
الاتجاه
العام في العالم اليوم، هو الحدّ من السيطرة الغربية على الآليات المالية الدولية
بخلق بدائل موازية، وهنا ستكون الصين الرابح الأكبر.
أما بالنسبة
للدولار، فقد يكون من الصعب سيطرة عملة واحدة على العالم كما كان الدولار سابقاً
(العملة الصينية تحتاج الى إجراءات داخلية اقتصادية للحلول مكان الدولار). لكن قد
يكون التبادل التجاري بالعملات المحلية للدول بداية، ثم بروز عملات اقليمية موحدة
للتعامل التجاري في الأنظمة الاقليمية المتعددة، بالاضافة الى بروز عملات رقمية..
وكلها ستؤدي الى تقليص السيطرة الدولية للدولار الأميركي، التي منحت الاميركيين
إمكانيات سياسية واقتصادية هامة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق