2023/04/17

لبنان: التقسيم والاستقواء مشروع واحد لا مشروعين

 

منذ ما قبل إشكال "التوقيت" في لبنان، ترتفع أصوات العديد من اللبنانيين على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الاعلام والحيّز العام، بخطابات طائفية ومذهبية،  منها مَن يطالب بالفيدرالية، ومنها من يستقوي على الآخرين بخطابات "دقوا راسكم بالحيط"، ومنها من يعود الى نغمة "تعداد المسيحيين" الخ.... كما تنتعش مشاريع وأفكار عفا عنها الزمن، وأثبتت فشلها خلال الحرب الأهلية اللبنانية.

 

وتزامناً مع ما يحصل في فلسطين المحتلة من تضييق على المصّلين من مسلمين ومسيحيين، ومحاولة رئيس الوزراء "الاسرائيلي" بنيامين نتنياهو خنق صوت المعارضة والاتجاه لتأسيس دولة طائفية ديكتاتورية لا تسمح لأي فكر مختلف بحق التواجد في الحيّز العام، يجد اللبنانيون أنفسهم أمام واقع لطالما تأثروا به، وأثروا فيه في الشرق الأوسط، وهو خيارهم بين مشروعين لم ينتهيا في المنطقة، وهما:

 

1-  المشروع الأول: يقوم على التجزئة والتقسيم والتشرذم المجتمعي، هدفه خلق كيانات طائفية متناحرة تتخذ من رقع الجغرافيا ملجأ وموطناً للمجموعات تعيش فيه بانعزال وتقوقع على الذات.

هذا المشروع، يحاول خلق كيانات طائفية تجعل من "دولة يهودية" في فلسطين المحتلة أمراً طبيعياً وعادياً حين يصبح بجانبها في لبنان "كونتون مسيحي" و"كونتون شيعي" و"كونتون سنّي" وهكذا دواليك..

 

في هذا المشروع أكثر من طرف لبناني يفيد أصحابه بعضهم البعض، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يتغذى أصحاب مقولة "ما بينعاش معهم"، إعلامياً وعملياً وواقعياً بقوة، من أصحاب مقولات "نحنا هيك بدنا وروحوا بلطوا البحر" الذين ينزعون الى لغة استقواء طائفية لا تحترم أي آخر لم يشهد لبنان مثلها من قبل.

 

علماً ان خطورة هذا المشروع (إن تحقق) أن "مجموعة صغيرة" ضمن "المجموعة الطائفية الكبرى" تتمتع بالقدرات والتمويل تستطيع أن تختطف تلك المجموعات وتتكلم باسمها وتفرض سيطرتها ورؤيتها الخاصة للتاريخ والمستقبل والخيارات السياسية على الاغلبية "الصامتة" في بيئتها، وهو ما شهدناه خلال الحرب الأهلية حين نصّبت الميليشيات نفسها متكلمة باسم "الناس" الذين يقطنون في مناطق نفوذها.

 عمليًا، هذا المشروع هو في الحقيقة كارثي للبنان، ووصفة لحرب الكل ضد الكل التي ستفني الجميع معاً.

 

2-  المشروع الثاني وهو مشروع مشرقي يعيش أبناؤه من مختلف الطوائف جنباً الى جنب، يؤمنون بتاريخ مشترك، وبأن مصيرهم وهمّهم واحد.

 

أصحاب هذا المشروع الثاني يؤمنون بالتكامل والتشارك والتعاضد بهدف تطوير المجتمعات والدول، مسلمين ومسيحيين جنباً الى جنب، كما عاشوا دائماً في هذا المشرق منذ قرون طويلة.

 

يجد مؤيدو هذا الخيار، أن أصواتهم باتت أقل صدى في وقتنا الراهن، بعدما ارتفع ضجيج أصحاب المشروع الأول وكتاباتهم الحربية والعنصرية والاستعلائية النافرة. وهذا أمر طبيعي، إذ ترتفع أصوات المتطرفين خلال الازمات الكبرى والجوع و"القلة" وذلك لتحميل الآخر المسؤولية عما آلت اليه الأمور من انهيار تمهيداً للانفصال و"الطلاق" والتهرب من مسؤولية الانقاذ.

 

من هنا نجد أن اصحاب المشروع الأول، من طائفيين سواء عنصريين أو أصحاب لغة الاستقواء وفائض القوة، من مسيحيين ومسلمين، معنيين باستهداف الوجود المسيحي المشرقي عبر برامج تهدف سواء الى تجميعهم في "مناطق صافية"، أو تهجيرهم واقتلاعهم ودفعهم مرغمين الى الهجرة، لأنهم عنصر أساسي وعضوي من مكوّنات بناء واستمرار هذا المجتمعات وتقويتها، ولتحقيق المشروع التاريخي بتهجير الأقليات من المشرق.  

 

بالنتيجة، لقد مارس اللبنانيون ضد بعضهم العنصرية والاستقواء في وقت سابق، وأثبتت الحرب الأهلية ونتائجها أن أصحاب تلك الطروحات لم ينجحوا.

واليوم، برأيي، ستفشل مشاريع التقسيم والعزل والاستقواء في لبنان، وذلك للأسباب التالية:

-        صعوبة القيام بحرب داخلية ينتصر فيها أحد فيفرض تصوّره على الجميع.

 

-        الاتجاه التسووي في المنطقة سيجعل من الصعب تلقي دعم خارجي لأي من هؤلاء المشاريع.

 

-        الاتجاه الحاسم اقليمياً ودولياً أنه من غير المسموح للبنانيين القيام بمراجعة النظام وعقد مؤتمر تأسيسي لصياغة نظام جديد، حيث يمنّي البعض النفس بالانفصال الى كونتونات طائفية، ويتصور البعض قدرته على فرض إرادته على الآخرين بالعنتريات وفائض القوة.

الأكيد أن لا وجود لهذه الإرادة عملياً وواقعياً، لذا على اللبنانيين التعايش مع بعضهم، والسعي الى محاولة انقاذ ما تبقى بدل التلهي بالضجيج والسعار الطائفي الذي يدمر بدل أن يبني. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق