بعد هدنة لأيام، التقط فيها الفلسطينيون بعضاً من انفاسهم، عاودت "اسرائيل" حربها على غزة في جولة ثانية، وذلك بعد الحصول على ضوء أخضر أميركي من وزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن، الذي حضر اجتماع مجلس الحرب الوزاري، مانحاً الجيش "الإسرائيلي" الضوء الأخضر لعملية عسكرية، مع تحديد السقف الذي على "إسرائيل" أن تلتزم به، وهو عدم التسبب بمجازر كبرى، والانتهاء من المهمة في غضون أسابيع قليلة بعدما طالب "الإسرائيليون" بأسابيع طويلة، فابلغهم أن الوقت الممنوح "للإسرائيليين" ليس طويلاً (ويقال إنه منحهم 25 يوماً فقط).
وفي عودة للقواعد التي كان الرئيس جو بايدن قد حددها في مقاله في واشنطن بوست حول الحرب في غزة، فأعلن أنه ممنوع التهجير القسري للمدنيين في غزة، وعدم تقليص مساحة القطاع، ولا لحصار طويل الامد، ولا لإعادة احتلال غزة.. هذه السقوف للعملية العسكرية "الإسرائيلية" لتحقيق هدف انهاء سيطرة حماس على القطاع، على أن يسير الاميركيون بحل سياسي يؤدي الى قيام دولة فلسطينية، وتحكم سلطة فلسطينية (متجددة) على كل من الضفة والقطاع.
وإذا اخذنا بعين الاعتبار أن هذه الشروط هي ثوابت أميركية في موضوع حل النزاع، فإن هدف العملية البرية الثانية المعلنة "اسرائيلياً"، وهو إقامة حزام أمني بين غزة والمستوطنات شبيه بالحزام الامني الذي فرضه الاحتلال في جنوب لبنان، يعني أن "إسرائيل" ضربت أحد اللاءات الأميركية، وهي عدم تقليص مساحة القطاع.
هذا بالإضافة الى أن قيام "الاسرائيليين" بمنع أهل غزة من العودة الى منازلهم في الشمال، ونداءات الإخلاء التي أطلقها "الجيش الاسرائيلي" لأهالي غزة في الشمال والجنوب خلال العملية العسكرية الثانية، تشير أيضاً الى ان "إسرائيل" ضربت أحد اللاءات الاميركية، وهي عدم السماح بالتهجير القسري للسكان في غزة.
أما بالنسبة للأهداف الأميركية ولمسار التسوية المفترض بعد الحرب، فإن نتنياهو قام مبكراً برفض أي تسوية سياسية، حيث قال في الأسبوع الماضي إنه الشخص الوحيد القادر على منع تحقيق دولة فلسطينية، وإنه سيمنع حصول ذلك.
علماً أن تخلي حماس عن السلطة في غزة، يفترض أحد أمرين:
- تحقيق اختراق سياسي جدي وحقيقي عبر ضغوط وتمنيات من قبل دول صديقة، لتحقيق مكسب دولة فلسطينية، على اعتبار أنها فرصة قد لا تتكرر.
- أو هزيمة عسكرية لحماس، يتم بعدها فرض الشروط على المهزوم، وقبوله بالتخلي عن السلطة، وهذا الخيار الاخير يبدو غير متاح، في ظل عجز "إسرائيل" عن تحقيق أي انجاز عسكري في حربها التي استمرت ما يقارب الخمسين يوماً، وقامت فيها بقصف هائل وتدمير شامل لقطاع غزة، وفي ظل استمرار أعمال المقاومة لغاية اليوم.
في النتيجة، كل الطروحات التي تطرح اليوم على بساط البحث، والاهداف "الإسرائيلية" (التي تتقلص يوماً بعد يوم) تبقى حبراً على ورق طالما لم تحقق "إسرائيل" أي انتصار عسكري، لفرض شروطها. هذا بالاضافة الى أن أي حزام أمني تريد أن تقيمه "إسرائيل" في غزة سيتحوّل الى شبيه بجنوب لبنان، حيث سيتعرض الجيش "الإسرائيلي" لعمليات مقاومة مستمرة، تدفعه الى الانسحاب لتقليل الخسائر- كما حصل في لبنان عام 2000، وفي غزة سابقاً عام 2005.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق