2023/12/09

حق "الفيتو" في مجلس الامن: ما له وما عليه

كما كان متوقعاً، استخدمت الولايات المتحدة الأميركية الفيتو ضد مشروع قرار مقدم من الإمارات بوصفها ممثلاً للمجموعة العربية في مجلس الامن لوقف النار في غزة. وقد أيد القرار 13 عضواً- من أعضاء المجلس الخمسة عشر- مع امتناع بريطانيا عن التصويت. ويشكّل هذا القرار المشروع الخامس على التوالي في مجلس الامن، والذي يتعرض لفيتو ويفشل في وقف القتال في غزة.

ولقد دعمت هذا القرار الأخير أكثر من 96 دولة عضواً بالأمم المتحدة. وهو يطالب بالوقف الفوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية، ويكرر مطالبته لجميع الأطراف بأن تمتثل لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني وخاصة فيما يتعلق بحماية المدنيين. ويطالب بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن، وبضمان وصول المساعدات الإنسانية.

وقد جاء مشروع القرار الإماراتي على أثر تفعيل الأمين العام للأمم المتحدة المادة 99 من صلاحياته، والتي تعتبر أهم مادة في صلاحيات الأمين العام للأمم المتحدة، التي نادراً ما تُستخدم والتي تنص على أن "للأمين العام أن ينبه مجلس الأمن إلى أية مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين".

وهي المرة الأولى التي يستخدم فيها غوتيريش هذه المادة منذ توليه منصبه عام 2017، والتي قال في في خطابه أمام مجلس الأمن ، أنها أتت بناءً على نقاط رئيسية ثلاث، تنطلق من المسؤولية الدولية وهي: عدم وجود حماية فعالة للمدنيين، نفاد الغذاء، انهيار النظام الصحي في غزة. وطالب مجلس الامن بالعمل من أجل "الوقف الفوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية وحماية المدنيين والتوصيل العاجل للإغاثة المنقذة للحياة".

باستخدامها الفيتو، عطّلت الولايات المتحدة القدرة على إنقاذ أرواح المدنيين في غزة، وأجحفت بحق المدنيين في غزة، لكن، بشكل عام، هل نظام الفيتو هو نظام مجحف واقعياً؟

أولاً - حق "الفيتو" في القانون الدولي

بداية، من المهم القول الى أن ميثاق الأمم المتحدة لا يتضمن أي إشارة للفيتو، بل إن ممارسة الفيتو أتت انطلاقاً من تفسير وتطبيق عملي للمادة 27 (فقرة 3) من ميثاق الأمم المتحدة والتي تشير الى ما يلي "تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الأخرى كافة بموافقة أصوات تسعة من أعضائه يكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة...."

عملياً، لم يكن من الممكن أن تقوم الأمم المتحدة لو لم تحصل الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية على "حق الفيتو". وفي المؤتمرات التحضيرية لتأسيس الأمم المتحدة، تم الأخذ بعين الاعتبار أن الدول الكبرى تفضّل أن يكون لها "حق الفيتو"، وذلك لحماية سيادتها، ولئلا يتخذ مجلس الامن قراراً يمس بمصالحها. وشدد الرئيس الأميركي هنري ترومان على أنه "بدون حق الفيتو لم يكن من الممكن أن يقبل مجلس الشيوخ بدخول الولايات المتحدة الى الأمم المتحدة."

وفي عام 1950، وبعد استخدام الاتحاد السوفياتي للفيتو بشكل واسع، اعتمدت الجمعية العامة قراراً بعنوان "الاتحاد من أجل السلام"، الذي دعمته الولايات المتحدة. وينص القرار، على أنه وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، لا يمكن للأعضاء الدائمين، ولا ينبغي لهم، أن يمنعوا الجمعية العامة من اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستعادة السلام والأمن الدوليين في الحالات التي يفشل فيها مجلس الأمن في ممارسة "مسؤوليته الأساسية" في الحفاظ على السلام.

اعتبر العديد من الخبراء القانونيين أن هذا القرار يحدّ من مشكلة استخدام "حق الفيتو"، لكن عملياً، لم تستطع الجمعية العامة أن تحقق الكثير في هذا الاطار، ولم تستطع ممارسة "مسؤولية أولية" في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، باعتبار أن قراراتها – والتي تشكّل مصدراً من مصادر القانون الدولي – لا تتمتع بصفة الإلزام.

ثانياً - تقييم مبدأ "حق الفيتو"

يطالب العديد من الخبراء بتعديل ميثاق الامم المتحدة وإلغاء أو وضع ضوابط لحق استخدام الفيتو، ومنها المطالبات بالحد من استخدامه إلا في القضايا التي تمس قضايا الامن القومي للدولة نفسها، منع استخدامه مطلقاً، أو اشتراط موافقة دول متعددة قبل استخدامه الخ... وهناك الكثير من الانتقادات التي توجّه لهذا المبدأ، نعالجها في ما يلي:

أ‌-     الفيتو غير ديمقراطي

من الأمور التي تُأخذ على حق الفيتو، بأنه غير ديمقراطي، وذلك لأنه مُنح فقط للدول الأعضاء الدائمين الخمسة، ولم يعطَ كحق لجميع الدول في مجلس الامن.

وبالرغم من أن هذا القول صحيح، وأن هذا الاستثناء يخرق ابرز المبادئ التي قام عليها ميثاق الأمم المتحدة، وهي مبدأ المساواة في السيادة بين الدول الأعضاء (المادة 2 – فقرة 1). ولكن تجربة عصبة الأمم السابقة، والتي أعطت 15 دولة عضواً في مجلس العصبة حق النقض في المسائل غير الاجرائية، جعلت المجلس معطلاً بسبب صعوبة الإجماع على أي قضية من القضايا.

ب‌-  الفيتو عائق لحماية المدنيين

بشكل عام، وبالرغم من الكثير من الانتقادات "المحقة" التي توجّه الى نظام الفيتو، وأنه في كثير من الاحيان عجز مجلس الامن عن القيام بمهامه في تحقيق الامن ووقف العنف، ولنا في قضية غزة الحالية نموذجاً صارخاً.

 لكن في المقابل، وفي ظل رغبة العديد من الدول الكبرى باستخدام مجلس الامن لتشريع تدخلاتها العسكرية في العالم، فإن ممارسة الفيتو يمكن أن تشكّل أحد الضوابط الرئيسية لتعسف استخدام القوة من قبل الدول الأقوى ضد الدول الأضعف.

وفي هذا الاطار، تؤكد الممارسة العملية في مجلس الامن، أنه عندما تلاقت مصالح الدول الكبرى في العمل ضد دولة ضعيفة، فإنها سمحت بتدخلات دولية عسكرية أو فرض عقوبات اقتصادية أضرّت بشكل عميق بشعب تلك الدولة، كما حصل في العراق في التسعينات (النفط مقابل الغذاء) وفي ليبيا (المسؤولية في حماية المدنيين). وحين تباينت مصالح الدول الكبرى، تمّ منع استخدام القوة العسكرية ضد دولة عضو في الأمم المتحدة، على سبيل المثال القضية السورية.

في النتيجة، يبقى موضوع الفيتو اشكالياً في ممارسة الدول الكبرى، وبالرغم من أن الدول الكبرى تتمتع بهذا الحق، فإنها يجب أن تبقي معايير الإنسانية أكبر وأعمق من القدرة العملية والقانونية في إطار استخدامها للفيتو. لذلك، فإن استخدام الولايات المتحدة لحق الفيتو في ظل المأساة الانسانية التي تحصل في غزة، والتي أملت على الأمين العام تفعيل المادة 99، والتي استصرخت ضمائر العالم أجمع، ستبقى نقطة سوداء في سجل الولايات المتحدة العالمي على الصعيدين الإنساني والقانوني.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق