2023/12/12

كيف تحوّل "اسرائيل" الحروب الى "فرصة": غزة نموذجاً


كعادتها، خلال أوقات الحرب والعمليات العسكرية تحاول "اسرائيل أن تستفيد لتنفيذ عمليات تهجير قسري للفلسطينيين، وتستغل تشتت انتباه الرأي العام العالمي بسبب الحرب والمجازر، لتوسيع عمليات الاستيطان غير القانونية التي تعتمدها. على سبيل المثال، خلال معركة "سيف القدس" في أيار /مايو من عام 2021، قام مستوطنون بإنشاء موقع "أفياتار" الاستيطاني على أراضٍ فلسطينية، بدون ترخيص "حكومي" وبغض نظر واضح من السلطات الاسرائيلية.

ومؤخراً، أعلنت منظمة "السلام الآن" الاسرائيلية أنه في خضم حرب غزة، وتحت ستار الحرب، وافقت السلطات الاسرائيلية على بناء مستوطنة جديدة في القدس الشرقية، في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر، تضم 1738 وحدة سكنية.

 وبحسب بيان المنظمة، إن هذه المستوطنة المنوي تشييدها، تقطع الممر الأخير المتبقي الذي يربط بين أحياء بيت صفافا والشرفات الفلسطينية وبقية القدس الشرقية"، وتقطع أي امكانية لإنشاء سلسلة حضرية فلسطينية متصلة في القدس الشرقية، وتعوق تقريبًا كل اتصال حضري بين بيت لحم والقدس الشرقية.

 وفي بيان آخر، ذكرت المنظمة، أنه منذ بداية الحرب في غزة، حصلت "طفرة غير مسبوقة في البناء غير القانوني الذي يقوم به المستوطنون في جميع أنحاء الضفة الغربية". وأكد البيان أنه في خلال الأسابيع الستة الاولى من الحرب، تم توثيق إنشاء ما لا يقل عن أربع بؤر استيطانية جديدة وإنشاء ما لا يقل عن تسعة طرق جديدة غير مرخصة، يؤدي العديد منها إلى بؤر استيطانية غير قانونية في الضفة الغربية، وقد تم إنشاء بعض هذه الطرق على أراضي فلسطينية خاصة.

فما هي هذه السياسة الاستيطانية وما أهدافها؟

-       ما هي "الكيبوتس"

المستوطنة أو "كيبوتس" kibbutz باللغة العبرية تعني "التجمع"، وهي مدن صغيرة – عادة ما يتراوح عدد سكانها بين 100 و 1000 نسمة. بعضها عبارة عن مجتمعات شاسعة تؤوي عشرات الآلاف من الأشخاص وتبدو وكأنها مشاريع تطوير في الضواحي، بينما البعض الآخر يشبه العشوائيات. مع العلم أن الغالبية العظمى من تلك المستوطنات تستفيد بشكل كبير من دعم الحكومة الإسرائيلية.

-      المستوطنات الأولى

 تم إنشاء أول مستوطنة اسرائيلية "كيبوتس" مبكراً في العام 1910، لتأمين سكن اليهود الذين جلبتهم الحركة الصهيونية الى فلسطين، ليستوطنوا فيها. وبدأت تتزايد هذه المستوطنات، فتم تأسيس عشرات المستوطنات خلال العقود الاولى من القرن العشرين.

سكان تلك المستوطنات كانوا مجموعات يهودية متدينة قادمة من أوروبا الشرقية ممن يؤمنون بالمهمة الصهيونية المتمثلة في تشكيل وطن لليهود في فلسطين، بينما جاء آخرون هربًا من معاداة السامية والتمييز في أوروبا الغربية، ولاحقًا أتت مجموعات هرباً من المحرقة النازية.

ولم يكن تأسيس المستوطنات عشوائياً، بل كانت تلك الأحياء تؤدي دوراً في المهمة الصهيونية لتأسيس "دولة اليهود في فلسطين"، حيث كان يتم زرع المستوطنات بشكل استراتيجي في المناطق الحدودية (بالقرب من غزة مثلاً) وبأوسع مدى ممكن لتأمين المطالبة بأوسع مساحة ممكنة حين يحين أوان ترسيم حدود "اسرائيل" على ارض فلسطين.

-      سياسة الاستيطان بعد 1967

توسع الاستيطان الاسرائيلي بشكل كبير، بعد حرب عام 1967، حيث امتد الى الضفة الغربية وغزة وسيناء والجولان السوري المحتل. لاحقاً، تم تفكيك المستوطنات التي كانت موجودة في سيناء وقطاع غزة، بعد انسحاب اسرائيل منها وذلك في عام 1982 (سيناء) وعام 2005 (غزة). وبقيت سياسة الاستيطان مستمرة وتتوسع في الضفة الغربية التي يطلق عليها اليهود اسم "يهودا والسامرة".

وينتقل الاسرائيليين حالياً الى المستوطنات لسببين: أما لأسباب دينية، حيث يريد الاسرائيليون المتدينون المطالبة بكل تلك الاراضي كأراضٍ يهودية، أو لأسباب اقتصادية حيث تدعم الحكومة الاسرائيلية تلك المناطق ومَن يسكن فيها، بالاضافة الى أسعار الشقق المتدنية فيها بسبب الدعم الحكومي.

وتمّ تأسيس تلك المستوطنات عبر طريقتين: رسمية، حيث تقوم الحكومة ببناء المستوطنات عبر خطة حكومية، او غير رسمية حيث يأتي بعض اليهود المتدينين المتطرفين فيضعون بيوتاً جاهزة على أراضٍ فلسطينية (بدون ترخيص) فيأتي الجيش الاسرائيلي لحمايتهم، وتتكاثر البيوت، ويتم تأسيس مستوطنة، يتم قوننة وجودها فيما بعد.

الهدف من تلك المستوطنات هو خلق واقع جديد على الأرض، حيث يقوم الاسرائيليون بترسيخ تواجدهم على الاراضي الفلسطينية، وطرد أهل الارض الأصليين، لضم الارض كلياً، ومنع قيام دولة فلسطينية.

-      سياسة حكومة نتنياهو اليمينية

منذ ان تشكّلت حكومة نتنياهو اليمينية والأكثر تطرفاً في تاريخ اسرائيل (كما وصفها الرئيس الأميركي جو بايدن) في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2022،  وحتى حرب غزة، شهدت الأراضي الفلسطينية أكبر توسّع لعمليات الاستيطان منذ عام 1967.

ويتضح من القرارات التي اتخذتها الحكومة أن الاستيطان هو ركيزة أساسية في سياسة الحكومة الحالية، حيث وافقت الحكومة على تشييد عشرات البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس والخليل وغيرها، وأنشأت "إدارة رسمية للمستوطنات" ما يعني فرض السيادة الاسرائيلية على أراضٍ في داخل الضفة الغربية، وألغت "قانون فك الارتباط" لعام 2005، ما يعني السماح بتأسيس بؤر استيطانية جديدة في نفس الأماكن التي تمّ الانسحاب منها سابقاً، ورصدت أكثر من مليار دولار أميركي لتطوير المستوطنات.

-      سياسة الاستيطان في القانون الدولي:

أكد قرار مجلس الامن الدولي لعام 446 في 22 مارس/آذار عام 1979 أن "سياسة وممارسات إسرائيل في إقامة المستوطنات في الأراضي الفلسطينية والأراضي العربية الأخرى المحتلة منذ عام 1967 ليس لها أي شرعية قانونية وتشكل عائقًا خطيرًا أمام تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط ".

ثم عاد مجلس الامن، وأكد في قراره رقم 2334 لعام 2016 على أن النشاط الاستيطاني الإسرائيلي يشكل "انتهاكًا صارخًا" للقانون الدولي وليس له "أي شرعية قانونية". ويطالب إسرائيل بوقف هذا النشاط والوفاء بالتزاماتها كقوة محتلة بموجب اتفاقية جنيف الرابعة.

أما محكمة العدل الدولية، فأكدت في رأيها الاستشاري الصادر عام 2004، "أن المستوطنات التي تبنيها اسرائيل في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، غير قانونية بموجب القانون الدولي." واستند قرار المحكمة إلى أحكام اتفاقية جنيف الرابعة وقرارات مجلس الأمن التي أدانت إنشاء المستوطنات ومحاولات إسرائيل تغيير التركيبة السكانية للأراضي الخاضعة لسيطرتها.

 

  في النتيجة، يحاول الاسرائيليون اليوم تحويل الحرب في غزة الى "فرصة" لزيادة عملية الاستيطان وقضم الأراضي الفلسطينية، وتهجير سكان غزة والضفة على حد سواء والقيام بـ"نكبة جديدةـ". فهل يستيقظ العالم ويمنع اسرائيل من ارتكاب تلك الجرائم أم يكتفي بالتنديد، ومراقبة تغيير هوية الأرض وهوية ساكنيها في أكبر تحدٍ للقانون الدولي على الاطلاق.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق