2023/12/04

عودة الحرب: هل فقد الاميركيون التأثير على "اسرائيل"؟

في صباح يوم الجمعة في الأول من كانون الاول/ ديسمبر، أعلنت "اسرائيل" عودة عملياتها العسكرية في قطاع غزة، وقامت الطائرات الاسرائيلية بقصف البيوت المدنية والبنى التحتية في القطاع، وذلك بعد زيارة قام بها وزير الخارجية الاميركي الى "اسرائيل" والتي تحدث فيها عن وجوب تمديد الهدنة الإنسانية لأيام أخرى، يتم فيها تحرير الرهائن وامداد القطاع بالمساعدات الإنسانية.
وكان بلينكن قد شارك في اجتماع مجلس الوزراء الحربي الاسرائيلي، ونقلت وسائل الاعلام عن بلينكن أنه لم يعارض كلياً عودة العمليات العسكرية ضد حماس، بل قال أنها "يجب ألا تتسبب في نزوح جماعي للسكان، وأن اسرائيل لا تملك أشهراً لتحقيق أهداف العملية العسكرية".
هذه التصريحات لبلينكن تتناقض مع  الأهداف المعلنة لمهمته الأساسية التي جاء بها الى المنطقة،  وتشي بأحد أمرين: إما أن الولايات المتحدة لا تملك الأدوات والوسائل الكافية للضغط على اسرائيل لوقف عدوانها، أو أن الموقف الاميركي  الرسمي من التطورات في غزة، لا ينفصل عن الموقف الاسرائيلي وأن الدعوات التي تصدر من هنا وهناك، والتي تدعو الى تجنّب القتل الواسع للضحايا المدنيين، ما هي إلا محاولة "تقليص الانتقادات" العالمية لاسرائيل ولادارة بايدن.
ولمعرفة فعلاً أياً من الأمرين هو الأصدق، من المفيد إعادة التذكير بجوهر وتاريخ العلاقة بين الولايات المتحدة واسرائيل، وأسباب الدعم الأميركي اللامحدود حتى لأعمال إسرائيل المخالفة للقوانين الدولية.
1-     تاريخ العلاقة الأميركية- الاسرائيلية:
توصف العلاقة بين اسرائيل والولايات المتحدة ب "العلاقة الخاصة" بحسب ما وصفها الرئيس حون كينيدي. وبالرغم من الدعم الأميركي لإنشاء دولة يهودية بعد الحرب العالمية الثانية، لكن العلاقة بين الطرفين لم تتطور إلا بعد حرب عام 1967، حين أظهرت اسرائيل تفوقها العسكري على حليفين للسوفييت (مصر وسوريا).
بانتصارها في تلك الحرب، آمن الأميركيون بأن لاسرائيل قيمة استراتيجية، بحيث يمكن توكيلها ب"دور وظيفي" يتحدد في احتواء الاتحاد السوفييتي في الشرق الاوسط، وردع القوى العربية المناوئة للغرب، وتأمين إمدادات النفط.
وبالرغم من العلاقة الخاصة، لم تبدأ المساعدات العسكرية "المجانية" الواسعة لاسرائيل إلا في عهد الرئيس كلينتون، الذي وقّع في آخر ولايته الثانية، ثلاث مذكرات تتعهد فيها الولايات المتحدة بتقديم المليارات من المساعدات العسكرية سنوياً، ولمدة عشر سنوات.
وتطورت تلك المساعدات تدريجياً، وصار رئيس أميركي يضيف اليها سنوياً، حتى بلغت المساعدة العسكرية الاميركية لاسرائيل قبل حرب غزة بما يقارب 4 مليار دولار سنوياً. وانطلاقاً من الالتزام الأميركي بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل في المنطقة، والحفاظ على الردع الذي تتمتع به ضد أعدائها، أصبحت اسرائيل عاشر أكبر مصدر للأسلحة في العالم.
-        هل يمتلك الأميركيون قدرة التأثير على اسرائيل؟
واقعياُ، يرتبط كل عمل سياسي أو نشاط خارجي للدولة، بعاملين: الإرادة والقدرة.
بالنسبة للقدرة، طبعاً يمتلك الاميركيون الكثير من أدوات القوة التي يمكن استخدامها للضغط على اسرائيل لوقف عدوانها على قطاع غزة، أو للذهاب الى تسوية سياسية تؤدي الى استقرار في المنطقة، يريده الأميركيون بشدة من أجل التفرغ لاحتواء الصين.
لكن، وبالرغم من اعتقاد الكثير من الخبراء الأميركيين أن المكاسب التي تجنيها الولايات المتحدة من اسرائيل في المنطقة، لا توازي الثمن الاخلاقي والدولي المدفوع عالمياً، وخاصة الكره الذي تشعر به العديد من شعوب العالم خاصة العربي منها لأميركا، تبقى الفوائد الشخصية، والكلفة العالية لانتقاد اسرائيل في الداخل الاميركي هما العامل الأساسي.
يجني المسؤولون الأميركيون فوائد شخصية من دعم اسرائيل، خاصة في ظل فاعلية اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، والتأييد العارم الذي تتمتع به اسرائيل بين صفوف الكنائس الانجيلية. بالاضافة الى ذلك، لدى اسرائيل من النفوذ والمكانة والقدرات ما يجعل معاداتها أو انتقادها  مكلفاً داخل أميركا، ولنا في ما حصل مع الرئيس الأسبق باراك أوباما بعد انتقاده نتنياهو، مثالاً واضحاً.
وعليه، يبدو أن ما نراه أو ما يحكي عنه من انقسامات داخل الادارة الأميركية، هو نوع من توزيع الأدوار داخل الحزب الديمقراطي الذي يخشى أن يتكرر مع بايدن في انتخابات عام 2024، ما حصل مع هيلاري كلينتون عام 2016، حين امتنع جزء من الديمقراطيين عن التصويت ما سمح بوصول دونالد ترامب الى البيت الأبيض.
في النتيجة، الأكيد أن هناك قدرة للأميركيين على ممارسة الضغوط على اسرائيل، وهي قدرات ووسائل ضغط سياسية وعسكرية واقتصادية وعقوبات وسواها من الوسائل التي تستخدم في العالم، والتي تمّ يوماً تهديد الحلفاء الأوروبيين بها، لكن الواقع أنه ليس هناك أرادة ورغبة أميركية بهذا الشأن.
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق