2019/04/01

احتمالات الحرب في المنطقة


سرت شائعات عدّة غذتها تصريحات سياسية وإعلامية متعددة، من أن هناك أمورًا وتعقيدات ستشهدها الأشهر المقبلة وستدفع المنطقة الى تصعيد كبير، قد لا يسلم لبنان من تداعياته.. فما هي هذه التعقيدات والتحديات، وما هي إحتمالات التصعيد؟
أولاً: الانتخابات الاسرائيلية المحددة في التاسع من شهر نيسان المقبل، والتي يتوهم البعض من ان الاسرائيليين سيتذرعون بالأنفاق التي تمّ اكتشافها على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، للذهاب الى مغامرة عسكرية في الجنوب اللبناني عشية الانتخابات.
 في هذا الإطار ، يمكن أن نلفت أن أي هجوم اسرائيلي على لبنان، سيلقى ردًا مزلزلاً ولن يسمح اللبنانيون لنتنياهو بالتصعيد بدون ردٍ مقابل، لذا لن يجرؤ على التصعيد على الجبهة اللبنانية لا قبل الانتخابات الاسرائيلية ولا بعدها... بعد حرب 2006، أتخذ الاسرائيليون قرارًا حاسمًا بأنهم لن يذهبوا الى حرب ما لم يكونوا متيقنين من انتصارهم فيهم مئة بالمئة، وأي حرب مع لبنان في ظل توازن القوى الحالي لن يحقق لهم ما يريدون وقد يعود بنتيجة عكسية، لذا من الصعب جدًا أن يذهبوا الى تصعيد يدحرج الأمور الى ما لا يريدون.
من ناحية أخرى، وفي ظل حاجة نتنياهو الى انتصارات يوظفها في انتخاباته في الداخل، نجد أن التصعيد مع غزة، وقراري ترامب (الاعتراف بالقدس عاصمة اسرائيل، والسيادة الاسرائيلية على الجولان السوري المحتل)، بالاضافة الى غياب الخط الأحمر الذي كان قد وضعه الروس على القصف الاسرائيلي في سوريا.. كلها عوامل تحقق لنتنياهو ما يريد، ولا تعوزه الى تصعيد غير محسوب النتائج مع لبنان.  
ثانيًا: دخول العقوبات الأميركية على إيران مرحلة جديدة في الثالث من ايار، بحيث يريد ترامب أن تصل الصادرات الايرانية من النفط الى صفر، ستدفع الايرانيين الى المبادرة بالتصعيد والذهاب الى حرب في المنطقة... وستجرّ الجميع معها الى التصعيد، ومنهم حزب الله.
 في هذا المجال، وبالرغم من دخول العقوبات الأميركية فصلاً جديدًا أقسى من ذي قبل ، إلا أن الايرانيين يملكون الكثير من أدوات القوة التي تمكّنهم من التفلت من تلك العقوبات بدون الحاجة للجوء الى تصعيد وحرب شاملة في المنطقة.
بشكل عام، إن الدول المستوردة للنفط الايراني ما زالت مستعدة لتحدي الولايات المتحدة أو الضغط لتمديد فترة السماح، بالاضافة الى أن شعور الاوروبيين بأن المنطقة قد تصل الى تصعيد خطير سيدفعهم الى تفعيل آلية التجارة مع إيران، ناهيك عن الآلية التي كان قد أعلن عنها في وقت سابق، أي شراء الروس الغاز الايراني وإعادة بيعه في الأسواق...
إن التصعيد الميداني في المنطقة ليس في صالح أحد، ولا في صالح الايرانيين أنفسهم، فقضم النفوذ الذي يقوم به الايرانيون عبر سياسة النفس الطويل، تدر لهم أرباحًا على المستوى الاستراتيجي أكثر من تصعيد وحرب سيندفع للانخراط فيها كل من الاميركيين ودول الخليج واسرائيل، وستضرّ بالجميع.. وقد تقلص النفوذ الايراني في المنطقة بدل أن تزيده.
والأهم، إن السلوك الايراني الخارجي لم يُعرف عنه استخدام سياسة التهور وهدم الهيكل على من فيه، بل إن مراقبة السلوك الايراني الخارجي على مستوى المنقطة في عهود المحافظين والاصلاحيين والمعتدلين، يشي بأن العقلانية والبراغماتية، والعمل على سياسة النفس الطويل، والتضحية في بعض الأحيان بمكاسب آنية لتحقيق أهداف استراتيجة طويلة الأمد، هي سمة السياسة الايرانية لمدّ النفوذ، ولن يتخلوا عنها اليوم في ظل المتغيرات الهامة التي تجري على صعيد منطقة الشرق الأوسط برمتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق