2019/04/15

السودان: مساحة جديدة للصراع بين تركيا والامارات؟

طرحت الأزمة في السودان والتطورات التي أطاحت بالرئيس السابق عمر البشير، على بساط البحث، قضية القواعد العسكرية التي تنشرها الدول الإقليمية الفاعلة في أفريقيا، والتنافس الاستراتيجي بين كل من تركيا والإمارات في شرقي القارة.
ولعل قضية جزيرة سواكن التي كانت تركيا قد اتفقت مع السودان على استثمارها، وإقامة قاعدة عسكرية فيها، والقلق التركي من أن يؤدي الاطاحة بعمر البشير الى تعديل الاتفاقية أو إلغاءها، هو ما أثار القضية وجعلها تطفو على السطح .
وكانت تركيا قد عملت على تأسيس قواعد عسكرية في كل من الصومال وجزيرة سواكن في السودان، بالاضافة الى قاعدة عسكرية في الخليج (في قطر)، بما يشير إليه بعض الخبراء ب"المثلث" العسكري الذي تستخدمه تركيا لإحتواء النفوذ المتصاعد لدول الخليج العربي، ومنافسة النفوذ السعودي - الاماراتي في المنطقة.
وتتميز جزيرة سواكن بموقعها الاستراتيجي الواقع شمال شرقي السودان، على الساحل الغربي للبحر الأحمر، وهي منطقة أثرية تاريخية، تبلغ مساحتها عشرين كيلومترًا مربعًأ، وكانت في السابق تعتبر الميناء الرئيسي الذي تعتمد عليه السودان والذي يشكّل حلقة الوصل بين كل من أفريقيا وآسيا.
في المقابل، توزع الامارات قواعدها العسكرية في المنطقة، بشكل طوق عسكري يتخطى حجم ونفوذ البلد الاستراتيجي، ففي اليمن تقوم الإمارات بمدّ نفوذها داخل الجغرافيا اليمنية بالاضافة الى السيطرة على جزيرة سقطرى، حيث تقيم الإمارات قاعدة عسكرية كبرى، ومعها باتت تسيطر استراتيجيًا على الخط البحري الممتد من الهند الى أفريقيا.
وبالرغم من القلق العُماني من التواجد الإماراتي في تلك الجزيرة الاستراتيجية، إلا أن الإمارات لا تبدو مستعدة للتخلي عن منقطة حيوية واستراتيجية بأهمية سقطرى.
يضاف الى سقطرى، القاعدة العسكرية الاماراتية في ميناء المخا، على الساحل الغربي لليمن. كما تتحدث التقارير عن وجود عسكري سعودي - إماراتي في جزيرة ميون قرب مضيق باب المندب ما يعطيها أفضلية عسكرية استراتيجية في المنطقة.
أما في أفريقيا، فتتنافس الامارات مع تركيا على إقامة قواعد عسكرية في الساحل الافريقي، إذ أقامت الإمارات قاعدة عسكرية في "أرض الصومال" التي انفصلت عن الصومال وأعلنت نفسها دولة مستقلة (بدون أن يعترف بها أحد)، وباتت اليوم تتلقى مساعدات ودعم كبيرين من بعض الدول الخليجية مقابل الاستثمارات الاقتصادية والعسكرية فيها. كما تقيم الامارات قاعدة عسكرية في أرتيريا، والتي تُعتبر القاعدة الاساس لإنطلاق الطائرات العسكرية لشنّ الغارات في اليمن ولدعم العمليات العسكرية الجارية هناك ضد الحوثيين.
وهكذا، نجد أن الصراع بين الدول الخليجية وتركيا، يأخذ طابعًا مذهبيًا واستراتيجيًا؛ مذهبيًا حيث يتقاتل الطرفان على تكريس زعامة العالم الاسلامي السنّي، واستراتيجيًا حيث يحاول كل طرف مدّ نفوذه الى الدول الأخرى للسيطرة على أكبر قدر ممكن من الجغرافيا. كما نجد أن الصراع والتنافس الاستراتيجي بات ينتقل من منطقة الى أخرى، فبعد أن تقاتل الطرفان في أنحاء العالم العربي وفي منطقة الشرق الأوسط واستخدم الطرفان الحروب بالوكالة عبر المجموعات المسلحة في سوريا، نجد أن سباق النفوذ انتقل اليوم الى القارة الافريقية.
الإشكالية الكبرى التي يخلقها هذا التنافس بين هذه الدول، أنه قد يعطي هامشًا للإرهابيين، للنفاذ من مناطق التنازع بين استراتيجيات الدول لمكافحة الارهاب، التي تكون بشكل عام منعزلة عن بعضها البعض ومتنافسة الى حدٍ كبير. بالاضافة الى أن الخطورة الأساسية تكمن في إمكانية استخدام هؤلاء الارهابيين من قبل بعض الدول كآداة في السياسة الخارجية لمنع الخصم من الوصول الى أهدافه، أو لضرب الخصم واستنزافه، أو للتأثير على الحكومات الافريقية للتأثير في قراراتها أو لمعاقبتها على تفضيلها التعاون مع دولة واقصاء أخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق