2020/03/10

أي تسوية يريدها بوتين؟


ليلى نقولا

يومًا بعد يوم، يزداد التدخل الروسي في مختلف أنحاء العالم ويتوسع، فمن الحديقة الخلفية لروسيا في كل من البلقان وأوروبا الشرقية، الى سوريا في الشرق الأوسط، الى فنزويلا وليبيا في كل من اميركا اللاتينية وأفريقيا.

وأمام هذه التدخلات والرغبة الروسية الواضحة في زيادة النفوذ الدولي، والرغبة في تحصيل اعتراف دولي بأحقية وشرعنة هذا النفوذ، يُطرح التساؤل المشروع حول المدى الذي يمكن أن يصل اليه بوتين، وأي تسوية لتكريس نظام دولي جديد يمكن أن يقبل بها؟

1- السيناريو الأول_ تسوية يالطا 2:

منذ قضية ضمّ القرم والمشاكل الروسية مع أوكرانيا، يطرح العديد من المفكرين الأميركيين من المختصين بالشأن الروسي، فكرة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى الى تكريس تسوية "يالطا 2" في الاشارة الى التسوية التي عقدها جوزيف ستالين مع كل من الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشترشل عام 1945.

في تلك التسوية، استفاد ستالين من قدرة السوفييت على هزيمة إلمانيا النازية، ومن رغبة ملحة لدى الأميركيين في استدراج انخراط عسكري سوفيتي في الحرب ضد اليابان، بالاضافة الى ميزان قوى عسكري يميل لصالحه في وسط وشرق أوروبا حيث يتواجد ملايين الجنود السوفييت الذين طردوا من ألمانيا... فاستطاع أن يحصل على اعتراف غربي بنفوذ الاتحاد السوفياتي في وسط وشرق أوروبا، وضم دول البلطيق إلى الاتحاد السوفييتي. كما تمّ تقسيم إلمانيا وتوزيعها حصصًا بين الحلفاء، كما تقرر الموافقة على طلب ستالين، الدفع بحدود بولندا نحو الغرب، لمنح الاتحاد السوفييتي مزيدًا من الأراضي...

2- السيناريو الثاني_ تسوية شبيهة بالوفاق الاوروبي 1815:

خلال النظر الى الخريطة الجغرافية والجيوبوليتكية التي يتمدد على أساسها نفوذ روسيا في عهد فلاديمير بوتين، نجد أن هدف بوتين قد يكون مدّ النفوذ الى مساحة أكبر من مساحة دول الاتحاد السوفياتي السابق، لتشبه الى حدٍ بعيد النفوذ الذي حققته روسيا الامبراطورية والعظمة التي رافقتها.

في فترة ما بعد نابليون، وخاصة بعد هزيمة الجيوش النابولونية على أيدي الروس، الذين طاردوا الجيش الفرنسي وصولاً إلى وسط فغرب أوروبا وإلى أبواب باريس نفسها، أصبح القيصر الروسي يعرف باسم ألكسندر "منقذ أوروبا"، وهو ما جعله يترأس جلسة إعادة رسم خريطة أوروبا في مؤتمر فيينا سنة 1815.

الفارق بين التسويتين الأولى والثانية، أن التسوية الأولى كرّست الثنائية القطبية، بينما الثانية كرّست مفهوم توازن القوى بين قوى كبرى متعددة، أخذت على عاتقها قيادة أوروبا (مركز العالم) بشكل جماعي للحفاظ على السلام، على أن يعود لهم وحدهم ترسيخ الوضع السياسي والاقليمي والدفاع عنه، وإعادة تحديده إذا اقتضت الضرورة ذلك.

اليوم، المظاهر التي يعيشها بوتين، والاقتباسات التي يستخدمها، والتماثيل التي تزين القصور الرئاسية والمباني الحكومية، تشير الى رغبة روسية حالية في إعادة أمجاد روسيا القيصرية التي أخافت العالم القديم، وفرضت نفوذها على العالم، وهزمت أعتى الجيوش العثمانية والاوروبية..

إنطلاقًا مما سبق، يمكننا أن نشير الى أن بوتين، اليوم، يسعى الى تسوية عالمية تدمج ما بين معايير التسويتين معًا، فالاعتقاد أن بوتين سيقبل بعد التقدم الذي أحرزه في كل من سوريا وليبيا وأوكرانيا وغيرها بالإكتفاء بتسوية "يالطا 2" ، أي تسوية تحفظ له نفوذه في أوروبا الشرقية فقط، كما يردد الخبراء الأميركيون، هو مجرد وهم...

واقعيًا، لن يقبل بوتين بأقل من تسوية تحفظ مكانة روسيا العالمية، وتؤمّن لها أهداف ثلاث: نفوذ بلا منازع في دول الاتحاد السوفياتي السابق، حجز مقعد ثابت لروسيا على طاولة القوى العظمى حين يتم اتخاذ قرارات بشأن المناطق المتنازع عليها، ومنع الولايات المتحدة من الاستمرار بالتفرد في الهيمنة على العالم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق