2020/03/09

خلخلة "الحريرية الاقتصادية"، ولكن!


ليلى نقولا

وفعلاً تمّ ما كان متوقعًا، وأعلن رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب، تخلّف لبنان عن دفع سندات اليوروبوند، ونيّة حكومته التفاوض مع الدائنين، لإيجاد حلّ منصف لهذه الأزمة.

لقد كشفت هذه الأزمة أمام اللبنانيين والعالم، حجم الفساد وانعدام الاخلاق والوطنية لدى عديدين من اللبنانيين وأهمهم القطاع المصرفي، الذي قام بتحويل أمواله بالعملات الصعبة الى الخارج خلال أزمة 17 تشرين، ثم ادّعى حاجته للسيولة ليبيع سندات الخزينة التي يملكها الى الخارج والى صندوق "أشمور" تحديدًا.

 خطورة بيع تلك السندات، تكمن في تحويل الدين اللبناني من دين داخلي الى دين خارجي وذلك بارتفاع حصة الدائنين الأجانب من سندات 2020، من 29 بالمئة في تشرين الأول 2019، الى ما يقارب 77 بالمئة، وذلك بتشجيع وغضّ نظر من حاكم مصرف لبنان، وتحت اشرافه.

وهكذا، تمّ اعلان إفلاس لبنان، وسقوط النموذج الاقتصادي الريعي الذي أتى به الرئيس الراحل رفيق الحريري، وظهرت معه عيوب "الجنة الضريبية" وكلفة السياسات المالية والاقتصادية التي حكمتنا منذ التسعينات الى اليوم. ولا ينفع لتيار المستقبل وحلفائه ومن يدور في فلكه من سياسييين واعلاميين في التوجه الى حسان دياب باللوم لأنه كشف عفن كل تلك المنظومة التي أفقرت اللبنانيين منذ التسعينات ولغاية اليوم.

وبالرغم من جرأة القرار الذي اتخذه الرئيس دياب، مدعومًا بالكتل السياسية الأساسية التي دعمت حكومته وهي رئيس الجمهورية، والرئيس برّي وحزب الله، إلا أنه من الخطأ الاعتقاد ان المعركة انتهت، وأن الحريرية السياسية ومن معها، سيكتفون بالتفرج على إسقاط النموذج الاقتصادي الذي يديرونه ... لا بل إن المعركة بدأت اليوم.

لا شكّ أن المواجهة اليوم، ستأخذ أبعادًا متعددة، منها السياسي والإعلامي واستخدام الشارع وصرف النفوذ لإغراق هذه الحكومة وإفشالها، وبالتالي عودة الحريري على حصان أبيض "للانقاذ". لن يهدأ الضجيج والصراخ في الشارع وعلى الشاشات وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، وسيشتد عصب الاحتجاجات الشعبية التي تراجعت حدّتها في السابق.

لن يتوقف التهويل على اللبنانيين بالضغوط الخارجية، وتسريب أخبار ملفقة من هنا وهناك عن عدم رضى أميركي أو فرنسي أو سواه للقول ان الخارج غير راضٍ عن هذه الحكومة ورئيسها، وبالتالي سوف يدفع اللبنانيون ثمن عدم الرضى هذا.

الأكيد، أن الدولة العميقة التي تحكم لبنان منذ التسعينات لن تستسلم بسهولة، والأكيد أنها ستقاتل حتى آخر لبناني لكي تحتفظ بامتيازاتها وكارتيلاتها ولن يكون الأمر سهلاً على الحكومة الحالية، لكن هزيمة تلك الدولة العميقة ليست بالأمر المستحيل فيما لو رصّت القوى السياسية الداعمة للحكومة قواها لمساعدة هذه الحكومة على المواجهة ولتخليص لبنان من واقع أجاد وصفه الرئيس حسان دياب في خطابه يوم السبت الماضي.

المهم اليوم، أن يدخل الجميع في معركة مصير لبنان، وتحويل اقتصاده من اقتصاد ريعي الى اقتصاد منتج، وتخليص الدولة من براثن الفساد، وترسيخ حكم القانون...هذا بالطبع ممكن، إلا إذا عدنا الى دوامة الحديث عن "الخوف من الفتنة" التي يخشاها حزب الله، ودوامة "التفاهم الوطني وحفظ جميع المكونات اللبنانية" التي يطلقها التيار الوطني الحر، فعندها على لبنان السلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق