2020/03/03

المتوقع من اتفاق بوتين - أردوغان


يتجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الى روسيا للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الخميس في 5 آذار / مارس الحالي، وذلك بعد سلسلة من التطورات الميدانية التي كادت أن تؤدي الى حرب كبرى بين الطرفين في الشمال السوري.

وكان من الواضح طيلة فترة التصعيد العسكري في إدلب أن الطرفين التزما "حافة الهاوية" وحاولا - قدر الإمكان- أن لا تصل المواجهة بينهما الى حد الاقتتال المباشر، بدليل أن أردوغان استمر بالاعلان عن أن الجيش السوري هو المسؤول عن قصف الجيش التركي في إدلب، بينما سارع الروس الى التعزية بالقتلى الأتراك والحديث عن عدم وجود نيّة باستهداف القوات التركية، ولكن وجود هؤلاء مع الارهابيين وخارج نقاط المراقبة التركية هو السبب في ذلك.

وهكذا، وبغياب الايرانيين الذين دعوا الى عقد قمة ثلاثية في طهران لإحتواء المواقف التصعيدية، ستعقد قمة ثنائية في روسيا بين الرئيسين بوتين وأردوغان، يبدو أردوغان الأضعف فيها، للأسباب التالية:

- أولاً، إن قيام الرئيس التركي بالذهاب الى روسيا للقاء بوتين، يجعله في موقف تفاوضي أضعف، خاصة بعد قيام بوتين برفض العروض التركية للقاءات ثنائية أو رباعية (بالاضافة الى إلمانيا وروسيا) في اسطنبول، ومماطلته في قبول دعوة أردوغان لعقد لقاء.

- ثانيًا، تأتي القمة التركية الروسية، بعد استنفاد اردوغان كل السبل لدفع حلفائه في الناتو لمساعدته عسكريًا، أو ممارسة الضغوط العسكرية أو الاقتصادية على روسيا لإيقاف الحملة العسكرية السورية داخل ادلب.

لقد فشل أردوغان في جرّ الناتو لمشاركة - ولو رمزية - بالحرب الدائرة اليوم في إدلب، ولم ينفع معه التهديد بارسال آلاف اللاجئين الى أوروبا في تغيير الموقف الاوروبي من الموضوع. أما الأميركيين، فقد وعدوه بالمساعدة التقنية والاستخباراتية، وشجعوه على المضي قدمًا في تلك الحرب "بمفرده".

منذ عام 2016، بالغ أردوغان في تحدّي حلفائه في حلف الناتو، وأصرّ على إتمام صفقة "أس 400" مع الروس بالرغم من كل التحذيرات والتهديدات الى تلقاها من أعضاء حلف الناتو ومن الأميركيين. واليوم، لم يكن من المنطقي أن يقوم أعضاء حلف الناتو بالدخول مع أردوغان في مغامرة عسكرية ضد الروس داخل الأراضي السورية، قد تؤدي الى نشوب حرب عالمية.

 - ثالثًا، إن الهجوم الواسع الذي قام به الجيش السوري وحلفائه، وتحرير مساحات شاسعة من الجغرافيا السورية في محافظتي حلب وإدلب، والرسائل الدموية التي أرسلها الروس والجيش السوري الى أردوغان، والرد الناري التركي على الجيش السوري والقوى العسكرية المساندة... كلها معطيات تجعل من الحرب العسكرية المباشرة مغامرة مكلفة على الجميع تفاديها.

وللأسباب الواردة آنفًا وغيرها من القضايا المشتركة التي تهمّ الجميع، أظهرت التصريحات الإيرانية رغبة في تفادي التصعيد مع الأتراك، كما أظهر كل من الأتراك والروس رغبة في تفادي الصدام. فما الذي يمكن أن تؤدي اليه القمة التركية الروسية؟

- سيحاول الطرفان الوصول الى إتفاق جديد حول إدلب، بعدما دفنت التطورات الميدانية اتفاق سوتشي 2018،  والذي ماطل أردوغان في تنفيذه طويلاً.

- سيطالب أردوغان بمنطقة آمنة بعمق 30 كلم داخل الاراضي السورية، بحجة حماية أمنه القومي ولإيواء اللاجئين السوريين فيها. الأكيد، أن الحكومة السورية ليست بوارد التراجع عما حققته من تحرير لأراضيها أو التراجع عن شبر من الأرض لإحلال الجيش التركي فيها!. وبالتالي لن تقبل موسكو بذلك.

 - من الممكن أن يحصل أردوغان على موافقة روسية على بقاء القوات التركية بعمق لا يتجاوز 5 كلم (كما تنص إتفاقية أضنة الموقعة بين سوريا وتركيا عام 1998)، مع الإصرار على فتح وتأمين الطريقين الدوليين "أم 5" وأم 4"، وإبعاد الإرهابيين والمسلحين الى المدى الذي يتم فيه تأمين قاعدة حميميم عسكريًا.

في المحصلة، إن المفاوضات الحالية ستأخذ بعين الاعتبار التطورات الميدانية والانجازات التي حققها الجيش السوري وحلفائه على الأرض. وكما أدّت الاتفاقيات السابقة في كل من سوتشي وأستانة الى تحقيق إنجازات كبرى للجميع في سوريا، يدرك الأتراك اليوم حاجتهم للروس في تأمين مصالحهم الحيوية في سوريا، كما يدرك الروس أن كلفة تحرير سوريا بدون اتفاق مع تركيا ستكون مكلفة جدًا، لذا يبدو أن الأمور ستتجه الى إتفاق جديد، يتم الإلتزام به الى أن تتبدل الظروف التي ستسمح بقيام الجيش السوري باستكمال تحرير الباقي من أرضه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق