2020/07/06

الانكفاء الخليجي في لبنان.... الأتراك بالمرصاد


يعيش اللبنانيون منذ تشرين الاول 2019، حركة اقليمية وسياسية دولية ناشطة، تعمل على استثمار الوضع السياسي والاقتصادي المتأزم لتغيير موازين القوى السائدة أو لفرض موازين قوى جديدة لم تكن مكرّسة في السابق.

وفي هذا الإطار، يُلاحظ الدخول التركي النشط على الساحة اللبنانية، وقيام الأتراك بدعم واضح لمجموعات من الثوار في طرابلس والتي كان لها تأثير واضح على مسار التظاهرات والتجمعات في الشمال ككل. علمًا أن لتركيا نفوذ طبيعي في العديد من الساحات السنيّة في طرابلس وعكار والمنية والضنية وصيدا، سواءً عبر الجماعة الإسلامية التي تسير على نهج الاخوان المسلمين، أو عبر الأقلية التركمانية في لبنان، أو سواها من مساحات النفوذ المكتسب، والتي اكتسبته عبر الدعم المالي والتنموي والثقافي وسواها.

وكان وزير الداخلية اللبناني العميد محمد فهمي، قد تحدث في مقابلة مع صحيفة اللواء عن  "تدخل خارجي تركي في لبنان"، وكشف أن "هناك طائرة خاصة قدمت من تركيا تمّ توقيف أربعة أشخاص كانوا على متنها اتراك وسوريين ينقلون أربعة ملايين دولار، وقد دخلوا على أساس أن لديهم شركة صيرفة. ولا ندري هل هذه الأموال هي للتهريب والتلاعب بالدولار أم لتغذية تحركات عنفية معينة في الشارع. هذا إضافة الى التعليمات التي تصل من تركيا عبر "الواتساب" لبعض أطراف الحراك الشعبي".

إنطلاقًا من هذه الوقائع، يمكن القول أن السياسة الخليجية في لبنان والتي تتلخص بـ "الانكفاء" قد ترتدّ سلبًا على النفوذ الخليجي في لبنان، فالإنكفاء الخليجي السابق والاحجام عن مساعدة لبنان الآن سواء كان ناتجًا عن سوء تقدير أو بسبب الضغوط التي تفرضها إدارة الرئيس دونالد ترامب، هي سياسة ستدفع بأطراف كثيرة اقليمية ودولية الى استغلال الفراغ في الساحة السنيّة للتعويض عن غياب النفوذ الخليجي فيها.

في علم السياسة الدولية عادةً ما تقوم الدول بمدَ نفوذها عبر نفوذ طبيعي ونفوذ مكتسب، والنفوذ المكتسب هو بالعادة نفوذ متحرك متقلب لا يُركن الى استمراريته، بينما يبقى النفوذ الطبيعي هو الأكثر ولاءً وتماسكًا، ولا نجد أي دولة في تاريخ العلاقات الدولية قد ضحّت بنفوذها الطبيعي لصالح نفوذها المكتسب.

وقد يكون التقدير الخليجي بأن الفراغ المؤقت الذي يسمحون به لن يؤثر بشكل دراماتيكي، باعتبار أن تاريخهم متجذر في لبنان ولن يتأثر بسياسة "الانكفاء المرحلي"، ولكن التاريخ المعاصر يثبت عكس ذلك:

في منتصف القرن العشرين وصلت موجة المدّ الناصري الى لبنان، واعتُبر جمال عبد الناصر ومبادئ العروبة والناصرية الملهم للعديد من المجموعات اللبنانية ومنها الشارع السنّي. لكن بعد انتهاء الحرب الأهلية في لبنان، وبعد أن كرّس الطائف ازدواجية نفوذ سعودي - سوري في لبنان، ومع صعود نجم الرئيس الراحل رفيق الحريري، استطاع الحريري الأب أن يحوّل وجهة هذا الهوى العروبي الى وجهة أخرى هي الوجهة السعودية، وتمّ تكريس نفوذ سعودي في لبنان بدا (سابقًا) من الصعب إزاحته.

وانطلاقًا من كل ما سبق، يمكن القول أن النفوذ الخليجي في لبنان ليس بمأمن عن الاختراق والتراجع، وأن التاريخ أكبر معلم، فلا شيء دائم مع تبدّل الظروف وتعاقب الأجيال؛ فكما انكفأ النفوذ الناصري لصالح النفوذ السعودي، وإذا استمر الانكفاء الخليجي عن مساعدة لبنان في هذه الظروف المصيرية التي تعيشها مكوناته المجتمعية، يمكن أن تتحوّل بعض الساحات الى الاستعانة بالأتراك، وسيجد هؤلاء يد الأتراك مفتوحة، خاصة وأن تركيا تطمح الى لعب دور في الحل السياسي في سوريا، كما أن العلاقات بين إيران وتركيا هي في أفضل حالاتها كما كشف وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف مؤخرًا، ما قد يعني تشجيعًا لإعادة إحياء مشروع أوباما للربيع العربي أو ما سماه الايرانيون "الصحوة الاسلامية".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق