2021/12/26

ماذا ينتظر إدارة بايدن عام 2022؟

لا شكّ أن عام 2021 لم يكن عاماً سهلاً على إدارة الرئيس بايدن، الذي بدأ عامه الأول في البيت الأبيض وارثاً تركة كبيرة ومتعبة من إدارة سلفه دونالد ترامب، أبرز معالمها علاقات متوترة بين ضفتي الأطلسي، وانقسام داخلي غير مسبوق، وفشل في مواجهة جائحة كورونا، وحرب تجارية مع الصين وسواها.

وفتح مجيء بايدن الى البيت الأبيض أملاً في إعادة إحياء التحالف المتين مع أوروبا، وإعطاء دور أكبر لحلف الناتو، ومحاولة مواجهة الصين عبر وسائل أخرى منها الاستثمار في التنمية ومحاولة حشد الحلفاء  الأوروبيين لحرب باردة جديدة. لكن العلاقات الأميركية الأوروبية، سرعان ما عادت الى التوتر بعدما قام الأميركيون بإقناع استراليا بإلغاء صفقة غواصات فرنسية، لصالح شراء غواصات نووية في إطار تحالف دفاعي جديد لمواجهة صعود الصين، انخرطت فيه بريطانيا واستراليا، بعدما أعلن العديد من الدول الفاعلة في الاتحاد الاوروبي أنهم غير معنيين بحرب باردة مع الصين تستعيد الصراع الايديولوجي مع الاتحاد السوفييتي السابق.

واليوم، وبعد مرور سنة تقريباً على وصول بايدن الى البيت الأبيض، تعاني إدارته من تحديات عدّة سوف ترافقها عام 2022، حيث يبدو ان الاهتمام بالداخل سوف يطغى على الاهتمامات الاستراتيجية، أو – على الأقل- أن تكون القرارات الاستراتيجية للإدارة مرتبطة بعوامل داخلية، بشكل أساسي.

وفي استكشاف لما ستكون عليه تحديات عام 2022 على الإدارة الأميركية، نجد ما يلي:

1-  في الداخل: انتخابات نصفية في ظل تراجع شعبية بايدن

يعاني جو بايدن من تراجع شعبيته بشكل كبير، وتشير شبكة "سي أن أن" الى أن ترتيب بايدن الاقتصادي ورضى الجمهور عن أدائه قد يكون الأدنى منذ جيمي كارتر عام 1977. في استطلاع حديث للرأي قامت به المحطة مع شركة إحصاءات أخرى، اعتبر 44 % من المستطلعين عن رضى عن آداء بايدن الاقتصادي مقابل 55 % أبدوا عدم رضاهم[1].

وفي استطلاع آخر قامت به شركة أيبسوس مع محطةABC [2]،  اعتبر أكثر من ثلثي الأميركيين (69٪)  أنهم لا يوافقون على كيفية تعامل بايدن مع التضخم (28٪ فقط يوافقون) بينما أكثر من النصف (57٪) لا يوافقون على طريقة تعامله مع التعافي الاقتصادي. هذه الأرقام وغيرها تشير الى ان المؤشرات الاقتصادية والتضخم وجائحة كورونا، سوف تكون أبرز شعارات الحملات الانتخابية للانتخابات النصفية للكونغرس في تشرين الثاني 2022، خاصة أن الاستطلاع أظهر أن 71٪  من  الناخبين المستقلين أعترضوا على آداء بايدن وأسلوبه في التعامل مع التضخم.

إن إقناع الأميركيين في الداخل بأن الامور تسير بالشكل الصحيح، والتعامل مع جائحة كورونا وموجاتها الجديدة بشكّل فعّال، قد يكون أفضل ما يمكن أن تفعله الإدارة الأميركية في السنة القادمة، وذلك لتشكيل رافعة للحزب الديمقراطي خلال الانتخابات النصفية القادمة.

2-  بالنسبة للتحديات في الخارج:

بحسب ما تمّ الاعلان عنه سابقاً، كانت الإدارة الأميركية تتطلع في العام 2021 أن "تحقق علاقة مستقرة ويمكن التنبؤ بها مع روسيا"  وأن يكون لديهم القدرة على "تركيز أكبر على الصين، والتعاون حيثما أمكن، والتنافس وإظهار أن الديمقراطيات تستطيع أن تتقدم على الصين وتواجهها عند الضرورة".

أ‌-     روسيا:

لا تبدو العلاقة مستقرة مع موسكو في ظل التهديدات المتزايدة التي تشكّلها موسكو، والشروط الواضحة التي وضعها بوتين في اتصاله مع بايدن، بأن الروس لن يتهاونوا في توسع حلف الناتو الى حدودهم، وإن الجمهوريات السوفيتية السابقة مثل أوكرانيا أو جورجيا لا يمكن أن تكون جزءًا من الناتو.

بالنسبة للأميركيين، يبدو أن النظرة الى روسيا ما زالت محكومة بأفكار الحرب الباردة، لذا فإن تغيير الرئيس في البيت الأبيض وتقاربه مع روسيا أو عدمه، لا يبدو أنه عامل مساعد لتغيير النظرة الى موسكو في الداخل الأميركي.

قد تعمد إدارة بايدن الى محاولة تقليل المواجهة مع الروس عام 2022 لكي تتمكن من التركيز على الصين، لكن الأمر مرتبط بالتهديدات الاستراتيجية التي تواجه أوروبا، وما يطالب به بوتين - بشكل واضح- وهو خفض مستويات تواجد قوات الناتو قرب حدوده إلى حيث كانت قبل توسيعها إلى أوروبا الشرقية في أواخر التسعينيات.

إن الأمر معقّد بالنسبة لبايدن، فهو يحتاج الى أوروبا لمواجهة الصين وروسيا، ويهمه إظهار الولايات المتحدة كحليف موثوق له لدول أوروبا الشرقية ودول البلقان، بعدما أظهر الانسحاب الفوضوي من أفعانستان صورة سيئة عن حليف يهرول مسرعاً للنجاة بنفسه وترك حلفائه لمصيرهم.

وعليه، يمكن أن يكون اجتماع القمة الذي سيعقده بوتين وبايدن بشكل شخصي في بداية عام 2022، بعد لقائهما الافتراضي السابق، مناسبة لفتح باب التعاون مع موسكو في العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، لكن الآمال بتعاون وثيق مع الروس يتيح لإدارة بايدن بالتركيز على المنافسة الاستراتيجية مع الصين، لا يبدو متاحاً في الوقت الحالي.

ب - الصين

يدرك الصينيون أن أولوية الإدارات الأميركية منذ أوباما ولغاية الآن، هو احتواء الصين ومنعها من تحقيق التنمية، ومن الوصول الى تحقيق أهدافها وتطلعاتها القومية.

يتطلع الصينيون ويعملون – حيثما استطاعوا لذلك سبيلاً- الى إشغال الولايات المتحدة الأميركية في مناطق حيوية أخرى، وذلك لكسب الوقت للوصول الى أهدافهم أو على الأقل لاقتناص فرص للتمكين بحيث لا تعود معها تنفع الجهود الأميركية في الاحتواء.

لقد أدّى التعاون الروسي الصيني في سوريا الى إشغال إدارة أوباما في الشرق الأوسط، ومنعها من تحقيق الاهداف المرجوة من استراتيجية الاستنزاف التي كانت تحاول تطبيقها، ما ساهم في تأخير تطبيق استراتيجية " التوجه نحو آسيا" pivot to Asia

ثم أعاقت جائحة كورونا قدرة ترامب على الاستفادة من الحرب التجارية التي أقامها ضد الصين، وإجبار الصين على توقيع اتفاقية هامّة سميّت "اتفاقية المرحلة الأولى" في كانون الثاني / يناير 2020، تعهدت الصين بموجبها بشراء بضائع أميركية بقيمة 200 مليار دولار سنوياً.

سوف تحاول إدارة بايدن عام 2022 الاستفادة من الضغوط التي أقامها ترامب على الصين، وقد تطالب بأن تقوم الصين بتنفيذ ما عليها بموجب "اتفاقية المرحلة الأولى". إن المراقب لسياق تعامل إدارة بايدن مع الصين، ومقارنته بسلفه دونالد ترامب، لا يجد تغييراً كبيراً بين الاثنين.

بالرغم من محاولة بايدن تشكيل أحلاف أمنية لمواجهة الصين AUKUS، وبالرغم من إعلان الأميركيين مقاطعة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية 2022، وبالرغم من التصريحات الأميركية المستفزة للصين حول تايوان، إلا أن خيار المواجهة العسكرية لا يبدو محتملاً هام 2022، لأن البلدين محكومان بالتعاون.

هناك ترابط عميق بين الاقتصادين والمجتمعات الصينية والأميركية، فلا تزال الصين أكبر مستورد للبضائع من الولايات المتحدة وثالث أكبر سوق لصادرات البضائع الأميركية. كما أنه، وبالرغم من القيود والضرائب التي تفرضها الحكومة الأميركية على الصين والمستمرة منذ ترامب ولغاية اليوم، تبقى الولايات المتحدة وجهة مهمة للغاية للاستثمار الصيني في الخارج، مما يساعد الشركات الصينية على اكتساب التكنولوجيا والمعرفة والعلامات التجارية واختراق الأسواق الأميركية.

ج - الشرق الأوسط:

انطلاقاً من المبدأ الاستراتيجي الأهم للإدارة الأميركية بالتركيز على الصين، إن سعي بايدن لتخفيف الانخراط في الشرق الأوسط يبدو سياسة ثابتة. تعاني الإدارة الأميركية في خطتها لتخفيف الانخراط في منطقة الشرق الأوسط، من شروط ايران وعدم تهاونها  في المفاوضات الجارية، والقلق الجنوني الاسرائيلي من توجّه الادارة الى إعادة العمل بالاتفاق الموّقع مع إيران عام 2015، والذي جعل الرحلات السياسية المكوكية بين اسرائيل وأميركا لا تتوقف.

يتوقع أن تسير المفاوضات بشكل جيد بين إيران والدول الست عام 2022، وقد يكون من مصلحة الأطراف جميعها أن يتم توقيع نوع من الاتفاق المرضي للطرفين (إيران والولايات المتحدة) قبل الانتخابات النصفية الأميركية، والتي يتوقع أن يحصد الجمهوريون فيها أغلبية واضحة إذا ما استمرت الظروف الاقتصادية والداخلية في أميركا كما هي عليه الآن. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق