2021/12/12

التهديد الاسرائيلي العسكري لإيران: الخيارات والمسارات

 

انشغلت وسائل الاعلام الاسرائيلية والعالمية بالتهديدات التي أطلقها وزير الدفاع الاسرائيلي بيني غانتس لطهران، مؤكداً أنه إنه أبلغ نظيره الأميركي لويد أوستن ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال لقائه معهما في واشنطن أنه أصدر تعليمات للجيش الإسرائيلي بالاستعداد لهجوم على إيران.

 

وكان نائب وزير الدفاع الإسرائيلي، ألون شوستر قال في تصريح اعلامي في وقت سابق : "لقد استخدمنا القوة ضد أعدائنا في الماضي، ونحن مقتنعون أنه في الحالات القصوى، هناك حاجة للعمل على استخدام الوسائل العسكرية". وتابع: "نأمل أن يتم تعبئة العالم كله لهذه المهمة. لذلك، خصصنا مبلغاً كبيراً لزيادة استعدادنا".

 

ولم يتأخر الرد الإيراني، فلقد ذكرت وسائل إعلام إيرانية رسمية أن مسؤولاً عسكرياً إيرانياً كبيراً توعد "المعتدين" بدفع "ثمن غالٍ"، وأكد علي فدوي نائب قائد الحرس الثوري الإيراني إن إسرائيل لا تجرؤ على تنفيذ تهديداتها، وإنهم على أتم الجاهزية لتسويتها بالأرض إذا شنّت أي عدوان على بلاده.

 

واقعياً، تعكس التصريحات والتسريبات الاسرائيلية فشلاً أكيداً في المحادثات التي جرت مع الاميركيين الأسبوع المنصرم، وعدم قدرتهم على إقناع الأميركيين بالعدول عن السير بالمفاوضات النووية مع إيران تمهيداً للوصول الى إتفاق.  فما هي الخيارات أمام اسرائيل، وهي تشاهد تقدماً في المفاوضات النووية بين إيران والدول الكبرى، ما تعتبره تهديداً لأمنها القومي؟.

 

-      الخيار الأول: ضربة عسكرية للمفاعلات النووية الايرانية

 

يؤكد الخبراء العسكريون يؤكدون عدم قدرة إسرائيل على شنّ هجمات عسكرية على إيران، إن لم تحصل على ضوء أخضر أميركي، ومساعدة عسكرية خارجية لنجاح الضربة.

 

عملياً، إن ضرب المفاعلات النووية الإيرانية كما تهدد اسرائيل إعلامياً، ليس امراً سهلاً، فليس لدى إيران منشأة نووية واحدة لضربها بضربة جوية عسكرية خاطفة وينتهي الأمر، بل لقد قام الإيرانيون بتوزيع منشآتهم على مساحة البلاد، ما يجعل من ضربة عسكرية واحدة غير ذي جدوى، وستكون إيران جاهزة للردّ بضربات مقابلة، بدون أن يتضرر برنامجها النووي ويتوقف كما تريد اسرائيل.

 

وكانت صحيفة فورين بوليسي الأميركية قد اعتبرت في تقرير في تشرين الأول/ أوكتوبر الماضي[1] أن أي ضربة اسرائيلية لإيران "ستجعل أراضيها بالكامل وسكانها وبنيتها التحتية الوطنية معرّضة لضربة انتقامية حتمية من إيران، بما في ذلك ما يصل إلى 150 ألف قذيفة فتاكة في أيدي حزب الله".

 

كما أن استعداد إيران سابقاً لسيناريو هجومي على منشآتها النووية وتدمير برنامجها النووي، عبر تحصين منشآتها النووية، وإقامتها تحت أعماق الأرض يجعلها غير قابلة للإختراق عبر الهجمات الجوية، وخاصة أن الولايات المتحدة رفضت تزويد اسرائيل بالذخائر الخارقة للتحصينات اللازمة لضرب المنشآت النووية الإيرانية.

 

إذاً، يبدو الخيار العسكري التقليدي والتهديدات الاسرائيلية بحرب على إيران، غير قابلة للتحقق فعلياً، بدون التسبب بإشعال حرب إقليمية شاملة، لا يريدها الأميركيون، وغير محسومة النتائج. وما التصريحات الأميركية التي أشارت الى أن "بايدن طلب من مستشاره للأمن القومي، جيك سوليفان، مراجعة خطة البنتاغون لاتخاذ إجراء عسكري ضد إيران إذا لم تنجح الجهود الدبلوماسية"، سوى محاولة لتهدئة الغضب الاسرائيلي، ولتوجيه رسالة تهديد الى إيران لتليين مواقفها وتخفيض مستوى شروطها في المفاوضات النووية الجارية.

 

الخيار الثاني: توجيه ضربة سيبرانية للمفاعلات النووية الإيرانية

 

أمام الاستعصاء العسكري التقليدي، قد تفكّر اسرائيل في استخدام الفضاء الإلكتروني، لتوجيه ضربة للمفاعلات النووية الايرانية.

 

ويعدّ الفضاء الإلكتروني أو السيبراني هو الوسط الذي تتواجد فيه شبكات الكمبيوتر، ويعمل في ظروف مادية غير تقليدية، وحيث يختلف توزيع القوة فيه عن توزيع القوة التقليدي المعروف والذي يتمحور حول القدرات العسكرية المباشرة والصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي وحاملات الطائرات وغير ذلك.

 

ويعتبر جوزيف ناي أن القوة السيبرانية هي مجموعة الموارد المتعلقة بالتحكم والسيطرة على أجهزة الكمبيوتر والمعلومات، والشبكات الالكترونية والبنية التحتية المعلوماتية، والتي تعتمد على المهارات البشرية المدربة، ويرى أن القوة الالكترونية فرضت تحديات على الأطراف الدولية وخاصة الدول الكبرى التي كانت تحتكر مصادر القوة مثل الولايات المتحدة الأميركية.

 

عملياُ، لقد تحوّلت وسائل القوة التقليدية، وتحوّل ترتيب القوة بين الدول، بالقدرة على استخدام وتطوير القوة السايبيرية بحيث بات الفاعلون الذين يمتلكون القدرة على استخدام الفضاء الالكتروني لأغراض عسكرية، قادرون على خلق مزايا عسكرية لصالحهم، حتى ولو كانت قدرتهم العسكرية التقليدية غير قادرة على المنافسة في مواجهة عسكرية تقليدية.

 

ولقد قامت اسرائيل في وقت سابق، باستخدام الفضاء الإلكتروني لتوجيه ضربة للمفاعلات النووية الايرانية، كما أثبت الاسرائيليون امتلاكهم القوة الالكترونية والمعرفة التكنولوجية والقدرة على استخدام الفضاء الالكتروني والمعلومات لتحقيق أهداف عسكرية كان من الصعب تحقيقها بواسطة القوة التقليدية.

 

وبالرغم من ذلك، يبقى ان استخدام هذا الأمر، منوطاً أيضاً بموافقة الولايات المتحدة الأميركية، حيث يعتبر الأميركيون أن الكلفة المتوقعة لتخريب المنشآت النووية الإيرانية أكبر من الفائدة المرجوة منها، فبينما تعتبر اسرائيل أنها قادرة على تعطيل البرنامج النووي الايراني ومنع ايران من امتلاك قنبلة نووية في الأمد المنظور، ترى الإدارة الأميركية الحالية، أن التجارب السابقة في تخريب المنشآت النووية الإيرانية عبر هجوم سيبراني، أفادت الإيرانيين الذين قاموا بإعادة بناء منشآت تخصيب اليورانيوم بدرجة أعلى من الكفاءة والتطور.

 

 

 

وعليه، تبدو الخيارات العسكرية الاسرائيلية محدودة جداً وهي تعويض عن فشل اسرائيل في استخدام الضغوط الدبلوماسية والسياسية على الولايات المتحدة الأميركية وعلى الأوروبيين لمنع التقدم في المفاوضات النووية. فهل تتسارع الجهود الدبلوماسية وتشهد السنة القادمة توقيع اتفاق جديد بين إيران والدول الست؟ يبدو الأمر متاحاً أكثر من ذي قبل. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق