2021/12/27

الاصلاح في لبنان ... التعليم الديني


أثارت تصريحات البطريرك الراعي في عيد الميلاد العديد من الملاحظات في لبنان، خاصة ما قاله أمام رئيس الجمهورية وأمام وفد القوات اللبنانية الذي زاره. وكان موقف الراعي حول الحياد الايجابي بمعرض الدعوة الى الانتخابات النيابية والرئاسية ودعوة العالم الى التدخل لمواجهة الهيمنة على لبنان (كما أسماها)، موقفاً سياسيًا لطالما كرره الراعي في أوقات سابقة، لكن الصفات التي أطلقها البطريرك على سمير جعجع كانت خارج السياق، لا بل متناقضة مع آراء كان الراعي قد أبداها في وقت سابق في طلات إعلامية وعبّر فيها عن رأيه بسمير جعجع.

 

وبغض النظر عن مواقف الراعي السابقة والحالية والمتكررة، لقد أظهر الاستقطاب السياسي الذي ولّدته حركة 17 تشرين الأول وما بعدها، إن انخراط  "بعض" رجال الدين من مسيحيين ومسلمين في السياسة وترك الرعايا لمصيرها وبدون مدّ اليد لها لانتشالها من العوز والفقر أو لمساعدتها في تدبّر أمور الأقساط المدرسية وسواها، يساهم في ابتعاد الناس عن المؤسسات الدينية أكثر فأكثر. إن إنخراط بعض هؤلاء ببث الفرقة والبغضاء بين أبناء الوطن الواحد، وتسلطهم على حياة الناس الشخصية، وخلط "المقدس" بالآراء السياسية، بات أمراً يُخشى معه أن يبتعد الناس عن الإيمان كنتيجة لموقفهم من رجال الدين، كما حصل في أوروبا في القرون الوسطى.

 

وهكذا، نجد أن الأزمات الكبيرة تفترض خيارات اصلاحية شاملة، لذا فإن اي إصلاح في لبنان في المرحلة المقبلة لا يجب أن يبقى ضمن الاستدانة من صندوق النقد الدولي وبعض الاصلاحات الاقتصادية، بل يجب أن يطال الاصلاح كافة جوانب الاقتصاد والسياسة والقضاء والتربية والتعليم بكافة مندرجاته ومنها التعليم الديني في المدارس.

 

لن يخرج اللبنانيون من قوقعة التعضب الطائفي الذي يستولد الأزمات تلو الأزمات ويسبب الفتن والتشنج والتقوقع، إلا من خلال التربية والتعليم، حيث بات من الضروري أن نتحوّل من "التعليم الديني" في المدارس إلى "التثقيف الديني" ضمن حرية الاعتقاد للجميع، والذي يمكن أن يتضمّن فئات ثلاث، هي:

 

1- ثقافة عن الأديان: المقصود بهذه الثقافة تعليم الطالب عن دين معيّن (عادةً ما يكون دينه الخاص)، بهدف إكسابه القيم الروحيّة والأخلاقيّة والشّخصيّة، وبناء هويته الدينية، وتعليمه كيفيّة ممارسة طقوس الدّين الَّذي ينتمي إليه.


2- ثقافة حول الأديان: هي الإطار الَّذي يمكن أن يمنح الطالب معرفةً واطلاعاً على أفكار ومبادئ أديان عدّة، فيكتسب ثقافة قبول الآخر، انطلاقاً من المبدأ القائل إنَّ "الإنسان هو عدوّ ما يجهل".

 

3- ثقافة من الأديان نفسها: تأخذ بعين الاعتبار التجارب الشخصيَّة للطلاب، بأن تترك هامشاً للطالب لتكوين فكره الخاصّ المستند إلى التعليم والتجربة، فيختار ما يناسبه وما يتلاءم مع تطلّعاته من أفكار ومُثل أخلاقية مستمدة من كل ما تعلمه وخبره.

 الأكيد، إن أنطلاقة أي إصلاح لبناني حقيقي لبناء لبنان المستقبل الذي يفتخر به موطنوه، يجب ان تنطلق من مصدرين: حكم القانون الذي لا يسمح بالتمييز، والذي تعلو سلطته كل السلطات الأخرى، والتعليم الذي يهدف الى بناء الإنسان- المواطن، فيُبعد "المقدس" عن الوظائف والمناصب في الدولة وعن الاستقطاب السياسي، ويجعل من الإنسان قيمة بذاته بغض النظر عن انتمائه الطائفي أو المذهبي.

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق