2021/12/21

إنقسام الجيش الأميركي: مدى واقعية التحذيرات

في مقال لافت ومثير للاهتمام، نشرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية، في 17 كانون الأول / ديسمبر الحالي، مقالاً كتبه ثلاثة جنرالات متقاعدين في الجيش الأميركي بعنوان "على الجيش الاستعداد الآن لانتفاضة 2024".[1]

ويشير الجنرالات في مقالهم، الى القلق الشديد من فكرة "نجاح الانقلاب في المرة القادمة"، معتبرين ان القلق يتأتى من أنه "في السادس من كانون الثاني/ يناير 2020 شارك عدد مثير للقلق من المحاربين القدامى وأفراد الخدمة الفعلية في الجيش في الهجوم على مبنى الكابيتول"، وتشير الاحصاءات ان أكثر من 1 من كل 10 من المتهمين في الهجمات على الكابيتول لديه سجل خدمة في الجيش.

لذا يعتبر كتّاب المقال أن التاريخ قد يتكرر مرة أخرى، وأنه "في انتخابات متنازع عليها، مع انقسام الولاءات الحاصل في الولايات المتحدة، سوف ينقسم الجيش الأميركي حيث يتبع البعض أوامر القائد الأعلى للقوات المسلحة " الشرعي" بينما يتبع البعض الآخر أوامر المرشح الخاسر. ويشير كتّاب المقال الى  "سابقة" رفض الجنرال توماس مانشينو، القائد العام لحرس أوكلاهوما الوطني، أمرًا من الرئيس بايدن يقضي بتلقيح جميع أفراد الحرس الوطني ضد فيروس كورونا. ادّعى مانشينو أن قائده العام هو الحاكم الجمهوري للولاية، وليس الرئيس بايدن.

كاتبو المقال، أي الجنرالات الثلاثة المتقاعدون، ليسوا وحدهم في التحذير من إمكانية أن يقوم ترامب والحزب الجمهوري بانقلاب في حال خسروا الانتخابات عام 2024. في وقت سابق، كانت مجلة  The Atlantic قد حذرت من أن "انقلاب ترامب القادم قد بدأ بالفعل"[2] مؤكدة أن "6  كانون الثاني / يناير كان مجرد تمرين، وأن الحزب الجمهوري بقيادة دونالد ترامب بات في وضع أفضل بكثير لتخريب الانتخابات المقبلة". ويشير كاتب المقال في الاتلانتيك الى أنه لأكثر من عام حتى الآن، وبدعم ضمني وصريح من قادة الحزب، يبني الجمهوريون أجهزة لسرقة الانتخابات. ويضيف "لقد درس المسؤولون المنتخبون في أريزونا وتكساس وجورجيا وبنسلفانيا وويسكونسن وميتشيغان وولايات أخرى حملة دونالد ترامب الشاملة لإلغاء انتخابات 2020، ولقد  درسوا نقاط الفشل واتخذوا خطوات ملموسة لتجنب الفشل في المرة القادمة".

الى أي مدى تبدو هذه الهواجس محقّة؟

-        واقعياً ، وبالرغم من أن الانقسام والتنوع هو سمة الولايات المتحدة الأميركية اللافت، إلا أنه ومنذ مجيء ترامب الى الحكم في الولايات المتحدة، ارتفع منسوب الشعبوية وبث الكراهية بين المجتمعات المتعددة في الولايات، وترسخ الانقسام العامودي بشكل لم يسبق له مثيل.

-        يضاف الى ما سبق، أن التطورات التي حصلت بعد غزوة الكابيتول، وعدم قيام المؤسسات الأميركية بمحاسبة أي مسؤول قام بتحريض المتظاهرين على العنف والشغب، يدفع الى التساؤل حول الرسالة التي يمكن استخلاصها من الافلات من العقاب الذي حصل سابقاً، ومدى امكانية تكراره في المستقبل.

-        إن الانسحاب الفوضوي من افغانستان اعطى إنطباعاً عن فشل قيادة المؤسسة العسكرية الأميركية واستخباراتها في التخطيط والتنفيذ والأهم: التنبؤ.

-         إن الأزمات الاقتصادية عادةّ ما توّلد إمكانية لتجذر الشعبوية ونجاحها وتوسّعها. هذا ما حصل على أثر الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008، حيث ارتفع منسوب الحنق الشعبي الأميركي على المؤسسة السياسية الأميركية، بشكل غير مسبوق، خاصة بعدما قام البنك الفيدرالي وبدعم من الكونغرس والحزبين الجمهوري والديمقراطي، بتعويم البنوك ومؤسسات "وال ستريت"، وتمّ ترك الطبقات الفقيرة والمتوسطة لمصيرها بعدما انهارت الاسهم وفقدت المواطنون بيوتهم ومدخراتهم.

اليوم، وبموازاة ارتفاع الشعبوية، وتجذّر الانقسام المجتمعي نتيجة عوامل عدّة، تعاني الولايات المتحدة الأميركية ارتفع معدل التضخم إلى 6.8٪ في عام 2021، وهو أعلى مستوى منذ عام 1982. منذ إعلان إنهاء حالات الاغلاق بسبب كورونا في الصيف الماضي، ارتفعت الأسعار بشكل كبير في العديد من القطاعات، بما في ذلك الغاز والغذاء والسكن.

يعيد العديد من الخبراء الاقتصاديين أسباب التضخم الكبير هذا الى السياسات التي يتبعها المركزي الفيدرالي، بينما يقول آخرون أن سياسة توزيع الأموال الهائلة التي قامت بها إدارة الرئيس بايدن بعد إجراءات كورونا، هي السبب في ذلك التضخم، وأنها أدّت الى بطالة مقنّعة لم يسبق لها مثيل.

وعليه، وبما أن الاخطار التي تواجهها الولايات المتحدة الأميركية نتيجة الانقسام الحزبي والمجتمعي وارتفاع العنصرية وهي أخطار حقيقية، وقد تدفع الى إنقسام الجيش الذي يبدو اليوم مرآة للمجتمع المنقسم، بعدما كانت المؤسسة التي لا تتأثر بالخلافات الحزبية، والتي نأت بنفسها دائماً عن الصراع الحزبي الأميركي... نتيجة لتلك الأخطار الداخلية، والخوف من إنقسام الجيش، قد تحتاج المؤسسات الأميركية الى تصدير أزماتها الى الخارج. وهكذا، تغدو الحاجة الى خلق عدو في الخارج أكثر إلحاحاً، وذلك لإعادة اللحمة الى الداخل ولتخطي الانقسامات الداخلية في المجتمع والجيش. وعليه، وفي ظل حاجة المؤسسة  الأميركية الحاكمة الى عدو لتصدير أزماتها، يُخشى أن تتورط الولايات المتحدة الأميركية، ومعها حلف الناتو، بتوترات عسكرية مع كل من الصين وروسيا.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق