2021/12/16

صفقة السلاح الأميركية الإماراتية: الاحتمالات الحقيقية للتجميد

قامت دولة الإمارات العربية المتحدة يوم الثلاثاء الموافق 14 ديسمبر / كانون الأول، وقبيل وصول وفد عسكري إماراتي رفيع المستوى لعقد محادثات في واشنطن وزيارة البنتاعون، بإعلان تعليق المناقشات بشأن صفقة أسلحة بقيمة 23 مليار دولار مع الولايات المتحدة والتي تتضمن شراء 50 طائرة مقاتلة من طراز F-35 و 18 طائرة بدون طيار مسلحة وأسلحة متطورة أخرى.

وكانت تلك الصفقة قد تمّ التوقيع عليها في اليوم الأخير من ولاية الرئيس الأسبق دونالد ترامب، وقد أشير إليها يومها بأنها مكافأة للإمارات على اعترافها باسرائيل وإفتتاح مسار التطبيع معها، وتوقيع إتفاقيات أبراهام.

وكانت إدارة بايدن، قد علّقت الصفقة لبعض الوقت فقط بهدف مراجعتها، وبعد قيام العديد من من أعضاء مجلس الشيوخ بإثارة موضوع الحرب اليمنية لإيقاف الصفقة، وأثير في الولايات المتحدة أيضاً موضوع التفوق العسكري الاسرائيلي في المنطقة وهو المبدأ الذي تلتزم به الولايات المتحدة، في مبيعات الأسلحة في الشرق الأوسط.

وقد تباينت التصريحات الأميركية والإماراتية في أسباب تجميد الصفقة، مع تشديد الطرفين على الشراكة الاستراتيجية والسعي الى الاستمرار في تلك الصفقة في وقت لاحق، وفي تقييم للأسباب المعلنة وغير المعلنة، يمكن ملاحظة ما يلي:

-      التفوق العسكري الاسرائيلي في المنطقة

أشار وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن خلال زيارته لماليزيا إن الولايات المتحدة لا تزال مستعدة لبيع طائرات مقاتلة من طراز F-35 إلى الإمارات العربية المتحدة، معتبراً أن الشروط الموضوعة من قبل الولايات المتحدة هدفها "التأكد من أن إسرائيل تحافظ على تفوقها العسكري".

علماً أنه منذ توقيع اتفقيات أبراهام، يتطور التعاون العسكري الاسرائيلي الإماراتي، ووقعت كل الامارات واسرائيل في وقت سابق اتفاقية استراتيجية لتصميم مشترك لسفن غير مأهولة قادرة على شن حرب ضد الغواصات، كما أعلن تكتل الدفاع الإماراتي EDGE و Israel Aerospace Industries (IAI) عن الشراكة في تصنيع طائرات بدون طيار.

وكانت اسرائيل وفي معرض طرح ترامب الصفقة مع الإمارات، في آب/ أغسطس عام 2020 قد وافقت على مبيعات الاسلحة للإمارات، ولكنها اشترطت عدم بيع أف- 35، بما يخلّ بتفوقها العسكري في المنطقة. ولكن الخبراء العسكريين المحايدين  يؤكدون أن الولايات المتحدة يمكن لها أن تحافظ على التفوق الاسرائيلي النوعي في المنطقة حتى لو باعت تلك الطائرات الى الامارات، وذلك عبر بيع الإمارات نسخة من تلك الطائرات يمكن لها أن تكون مختلفة أو أقل تطوراً.

-      التنافس الفرنسي الأميركي التسليحي

يشير العديد من المراقبين الى أن الإمارات لم تعد بحاجة لتلك الصفقة، بعد أن بدأت بالفعل بتنويع مصادرها من الأسلحة، وقامت بشراء 80 طائرة مقاتلة من طراز رافال وعشرات من طائرات الهليكوبتر العسكرية من فرنسا خلال زيارة ماكرون الأخيرة الى الخليج.

ولكن، إن الحديث عن سلاح فرنسي بديل عن شراء الطائرات الأميركية، ليس واقعياً، ولا يمكن لطائرات رافال أن تحلّ محل الطائرات الأميركية "الشبح" المتفوقة عسكرياً، كما يؤكد الخبراء العسكريون.

 

-      توسع النشاط الصيني في الامارات

بحسب العديد من التقارير الإخبارية، إن من بين أسباب تجميد الصفقة هو استياء الولايات المتحدة الأميركية من العلاقات الإماراتية الصينية الآخذة في النمو والتوسع.

على مدى العقد الماضي، أصبحت الصين الشريك الاقتصادي والتجاري المهيمن لدول الخليج، على غرار العديد من المناطق الأخرى في العالم. وتستثمر الصين في العديد من مشاريع البنية التحتية في الإمارات، والتي باتت – مع دول الخليج الاخرى- تشكل جزءًا من ``مبادرة الحزام والطريق'' الصيني والذي يهدف الى توسيع النفوذ الصيني في العديد من مناطق العالم.  

تستخدم الإمارات تقنية Huawei في بنيتها التحتية المحلية 5G، وقد دفع هذا بالولايات المتحدة للتعبير عن مخاوفها بشأن أن تقوم الصين بالتجسس على المعدات العسكرية الأميركية الموجودة في الامارات ومنها طائرات F- 35.

 

وعليه، وبحسب ما أثير من أسباب لتجميد الصفقة التي أرادتها الإمارات وعملت لها ودفعت الكثير من الأموال في واشنطن لتحييد الاعتراضات عليها، يبدو أن الإمارات تتعرض لضغوط أو شروط لا يمكن القبول بها، فماذا يمكن أن تكون؟

الاحتمال الأول: شروط اسرائيلية تطلب انخراط إماراتي في حرب على إيران

لا شكّ أن مصادفة زيارة نفتالي بينيت الى الامارات، وتزامنه مع تهديدات اسرائيلية بحرب على إيران، واعلان الامارات بعدها تجميد الصفقة التاريخية مع الولايات المتحدة، قد يشي بأن اسرائيل تريد من الامارات الانخراط أو المساهمة في حرب اسرائيلية مع إيران أو ضربات اسرائيلية للمفاعلات النووية الايرانية، مع ما يترتب على ذلك من خسائر كبرى للدول الخليجية كافة، وتعريض أمن الخليج برمته للخطر.

الاحتمال الثاني: شروط أميركية قاسية على مشاريع الاستثمار الصيني

وهو ما لم ينكره الأميركيون ولا الاماراتيون. وفي وقت سابق، تعرضت الإمارات المتحدة لضغوط أميركية أدّت الى وقف البناء الصيني لمشروع ميناء بالقرب من أبو ظبي بعد أن زعم الأميركيون أنه يمكن استخدامه لتعزيز المصالح العسكرية الصينية. وهكذا، يبدو أن تكلفة شراء الامارات لطائرات أف- 35 والشروط الموضوعة قد تكون أعلى من قدرة الإمارات على تحقيقها.

علماً أن التقييم الموضوعي والعقلاني للمصالح الإماراتية تكون في تنويع مصادر شراء السلاح، كما تنويع مصادر الاستثمار في السوق الاماراتي. يدرك الاماراتيون جيداً أن الولايات المتحدة الأميركية بصدد تخفيف انخراطها في المنطقة لذا لا بد من العمل على استراتيجية تؤسس للتعامل مع أقطاب عدّة في المنطقة.

 

وهكذا، وفي النتيجة، ومهما يكون من حقيقة الشروط التي أدت الى تجميد الإمارات صفقة السلاح الأميركية، يمكن القول أن حساب الأكلاف والأرباح لتلك الصفقة تقيسها الإمارات بدقة، فإذا كانت انخراطاً في حرب إقليمية ضد إيران، أو سحباً للاستثمارات الصينية وانسحاباً إماراتياً من "طريق الحرير الجديد" الذي تقيمه الصين، فهما كلفة باهظة للحصول على طائرات أميركية مقاتلة متطورة، قد لا تحتاجها الإمارات في ظل سعيها لتصفير مشكلاتها وإعتماد الدبلوماسية في المنطقة. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق