د. ليلى نقولا الرحباني
كان لافتًا الموقف الذي
بادرت اليه الدولة السورية عبر وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال السورية وليد
المعلم، الذي أرسل إشارات ايجابية وتحذيرية في الوقت نفسه، الى دول الغرب وأميركا
بالرغبة بالتعاون في مكافحة الارهابـ، وبأن الدعوة الى حرب عالمية على الارهاب لها
مقوماتها ومتطلباتها، وأن أي عمل عسكري ضد التنظيمات الارهابية في سوريا يتطلب
تنسيقًا مع الدولة السورية وإلا اعتبر عدوانًا عليها.
فعليًا، إن أي متتبع واقعي
للأحداث كان يفترض أن المعركة الحاصلة في المنطقة، ستؤدي في النهاية الى تحالف
دولي عريض ضد الارهاب، وإن التمهيد لهذا التحالف أو الانخراط فيه سيتضمن - حكمًا-
التنسيق مع الدولة السورية، ولكن، في ظل كل هذه التصريحات الغربية المؤيدة للقضاء
على تنظيم داعش، والضربات الجوية العسكرية الأميركية على مواقع تنظيم داعش في
العراق، والقرار 2170، وغيرها، قد تقود الى التبشير بقرب تأسيس جبهة عريضة دولية
واقليمية للقضاء على الارهاب، ما يعني أن التسوية باتت جاهزة، فهل فعلاً هناك
مؤشرات على نضوج التسوية؟
إن الواقع في الشرق الأوسط،
يفيد بأنه لا يمكن لتسوية مجتزأة أن تحصل وإن التسوية عليها أن تشمل ترتيبات
اقليمية ودولية تمتد على مساحة ما أسماه الأميركيون يومًا "الشرق الأوسط
الأكبر" والذي يضم بالاضافة الى الدول العربية كل من تركيا واسرائيل وصولاً
حتى افغانستان وباكستان. وفي الاطلاع على هذه المساحة نجد ما يلي:
- لم تنتهِ الأزمة
المتفاعلة في افغانستان حول نتائج الانتخابات الرئاسية لغاية الآن، ولا يبدو أن
الموعد المفترض لعملية التسلم والتسليم بين الرئيس السابق حامد كرزاي وخلفه
المقررة في الثاني من أيلول، سيكون متاحًا بسبب التأخير في عملية إعادة فرز
الأصوات وإلغاء الأصوات المزورة.
- لم ينتهِ التفاوض في
الملف النووي الايراني، الذي تمّ تأجيله الى تشرين الثاني المقبل، مع ما يمكن أن
يرافق ذلك من شد وجذب بسبب الانتخابات النصفية في الكونغرس الأميركي، وحاجة الشيوخ
والنواب الأميركيين لمحاباة اللوبي اليهودي ومن ورائه اسرائيل.
- لم يتم حسم الصراع السنّي
السنّي في المنطقة لصالح أي من طرفيه، تركيا أو السعودية، وما زالت الاشتباكات
المعلنة منها والصامت تطبع المعارك في كل من سوريا والعراق، ودول الخليج. ولا يبدو
أن الأميركيين مستعدين في هذا الوقت بالذات، على تفضيل جناح ضد آخر، أو السماح
بقتال داحس والغبراء بينهما، بل إن ما يتمّ هو صراع بالوكالة بين الطرفين من خلال
مجموعات ارهابية مسلحة تحاول أن تفني بعضها البعض.
- الفشل الذي منيت به
اسرائيل في غزّة والمفاجأة التي شكّلتها قوى المقاومة في فلسطين، ما جعل
الاسرائيلي يتواضع في تحديد أهدافه، ويلجأ الى وقف اطلاق النار ويسعى لتفاهم يخرجه
من الاحراج الذي وقع فيه.
- لن يقدم الأميركيون هدايا
مجانية للروس، بالتحالف مع حليفهم الرئيس بشار الأسد، والاعتراف بأنهم كانوا على
حق في توصيفهم للحرب الدائرة في سوريا، في حين يعتقد الجميع أن روسيا محرجة في
الملف الاوكراني الذي يشغلها، في ظل اطمئنان مقبول لديها للتقدم الذي يبديه محور
المقاومة في معركته الوجودية في المنطقة المشرقية.
- الاستفادة المادية
الهائلة التي يحصل عليها الغربيون من خلال صفقات الاسلحة التي يبيعونها للمنطقة
وللفصائل المتقاتلة فيها، بالاضافة الى الاستفادة المادية الهائلة من جراء شراء
النفط المسروق من العراق وسوريا بأبخس الاسعار، والتي تشكّل تقريبًا 30 % من سعر
النفط الرسمي العالمي.
أمام كل هذه الملفات وغيرها
من الملفات غير المكتملة، كقضية المقاومة في فلسطين، والتنافس في مصر، والارهاب
المنتشر في المغرب الغربي، والنار تحت الرماد في الخليج..... كلها، تشير الى أن
التسوية لم تنضج بعد، وأنها ما زالت تحتاج وقتًا لبلورتها بشكل يقبله الأطراف
الفاعلون دوليًأ واقليميًا، وهو ما يعني أن تحالف اقليمي ودولي عريض للقيام بحرب
عالمية على الارهاب دونه عقبات، ويحتاج الى وقت لا بأس فيه لبروزه بشكل جدّي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق